بسم الله الرحمن الرحيم
مقتطفات من كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور

الحلقة الأولى

ذكر قصة أبونا آدم عليه السلام
قال الثعالبي في كتابه:لما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلق آدم عليه السلام أوحى الله إلى الأرض أني خالق من أديمك خلقا فمنهم من يطيعني ومنهم يعصني فمن أطاعني أدخلته الجنة ومن عصاني أدخلته النار0 ثم بعث الله تعالى جبرائيل عليه السلام إلى الأرض ليأته بقبضة منها فلما أتاها جبرائيل أقسمت عليه وقالت إني أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئا يكون للنار فيه نصيب0فلم يأخذ مناها شيئا ورجع إلى ربه وقال يا رب قد استعاذت مني فكرهت أن آخذ منها شيئا فأمر الله تعالى ميكائيل أن يمضي إليها ويقبض منها قبضة من تراب فأقسمت عليه وقالت له مثل ما قالت لجبرائيل فبر قسمها ولم يأخذ منها شيئا فأرسل الله إليها عزرائيل فلما هبط إليها وكزها بحربة كانت معه فاضطربت فمد يده إليها فأقسمت عليه وقالت له مثل ما قالت لأخويه فقال لها أمر الله خير من قسمك وقبض قبضة من زواياها الأربع من جميع أديمها من أسودها وأبيضها وأحمرها من سهلها وجبالها وأعاليها وأسفلها ثم أتى بتلك القبضة بين يدي الله تعالى فقال الله تعالى له لمَ لم تجبها وقد أقسمت بي عليك؟فقال:يارب أمرك أوجب وخوفك أرهب فقال الله تعالى: إذن أنت ملك الموت وقابض الأرواح ومنتزعها من الأشباه ولم يكن قبل ذلك ملك الموت0قال فلما قبض منها ومضى بكت على ما نقص منها فأوحى الله إليها أني سوف أرد إليك ما أخذ منك وهو قوله تعالى(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)ثم أن الله تعالى أمر عزرائيل أن يضع تلك القبضة على باب الجنة فلما وضعها أمر الله رضوان خازن الجنان أن يعجنها بماء التسنيم ثم أمر الله تعالى جبرائيل بأن يأتي بالقبضة لبيضاء التي هي قلب الأرض فخلق منها الأنبياء ثم خلط الطين بالماء حتى صار معجونة كبيرة وقد قيل في المعنى:
يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجا 0000000000ودار وقتك من حين إلى حين
ولا تعاند إذا أصبحت في كدر0000000000000فإنما أنت من ماء ومن طين
فلما عجنت تركت أربعين سنة حتى صارت طينا لازبا ثم تركت أربعين سنة أخرى حتى صارت صلصالا كالفخار ثم جعل من تلك العجينة جسدا مصورا وألقاه على طريق الملائكة التي تصعد منها وتهبط وترك أربعين سنة ملقى على تلك الهيئة 0قالى تعالى(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) قال ابن عباس الحين أربعون سنة(قال)الثعلبي إن الله تعالى لما عجن طينة آدم عليه السلام أمطر عليها سحائب الهموم والحزن أربعين سنة ثم أمطر عليها السرور والفرح سنة واحدة فلذلك صار الهم أكثر من الفرح والحزن أكثر من السرور0وأنشد في المعنى
أي شيء يكون أعجب من ذا00000000000000000لو تفكرت في صروف الزمان
حادثات السرور توزن وزنا000000000000000000والبلايا تكال بالصيعان
ثم إن الله تعالى أظهر آدم إلى الوجود فكان طوله ستين ذراعا وجعل فيه ثلاثمائة وستين عرقا ومائتين وأربعين عصبا وأثني عشر مفصلا وفي رأسه سبع منافذ وجعل له اليدين والرجلين وغير ذلك وأتم عليه خلقه فتبارك الله أحسن الخالقين0وقال أبو موسى الأشعري لما خلق الله فرج آدم قال هذا أمانتي فلا تضعها إلا في حقها0 وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما خلق الله تعالى ثلاثة بيده الأول آدم والثاني شجرة طوبى والألواح المكتوبة فيها التوراة واليد عبارة عن القدرة إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون قال ولما كان آدم عليه السلام صلصالا كالخلية كان إبليس اللعين يمر عليه ويضرب بيده على بطن آدم فمن تلك الضربة صار مكانها السرة فكانت السرة علامة من ضرب إبليس وأن سبب ضرب إبليس ليعلم أهو مجوف أم صامد فلما رآه مجوفا دخل إلى بطنه فاطلع على جميع أعضائه وعلى عروقه إلا قلبه فإنه لم يطع عليه غير الله تعالى ومنع إبليس عن القلب لأنه بيت الرب ولهذا يقال إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم 0قال فلما أراد الله أن ينفخ في آدم الروح أمرها بأن تدخل أليه من رأسه ولذلك سمي الرأس يافوخا(نافوخا)ويروى أن الروح امتنعت من الدخول إلى آدم فقالت: يارب كيف أدخل إلى مكان مظلم فنادها جل وعلا ثلاث مرات وهي تأبى فدخلت في جسده كرها فأوحى الله إليها لو دخلت طائعة لخرجت طائعة ولكن سبق لك في علمي من الأزل أن تدخلي كرها وتخرجي كرها فلما دخلت الروح إلى دماغه استدارت فيه مائة عام ثم نزلت على عينيه فأبصرتا فنظر إلى جسده وهو صلصال كالفخار ثم نزلت إلى منخريه فشم الهواء فتنفس فعطس فنزلت الروح إلى فمه ولسانه فألهمه الله حمده فقال الحمد لله رب العالمين فقل الله له يرحمك ربك يا آدم وهذا لك ولذريتك 0ولذلك سن تشميت العاطس0

وإلى اللقاء إن شاء الله في الحلقة القادمة