صيد الكاميرا وثقافة الفضائح
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مؤلمة تتعلق بحرمات الأمة الإسلامية وعِرضُها، ألا وهي انتشار ثقافة الفضائح من خلال تقنيات كاميرات المراقبة والجوالات والانترنت وكذا تكنولوجيا البلوتوث -والتي سمحت بالانتقال اللاسلكي بين الهواتف المحمولة بسرعات عالية في نقل المعلومات ودقة في تشفير البيانات ومدى بعيد يصل إلى دائرة قطرها خمسة كيلو مترات-.
وثقافة التفضيح تقوم على نشر الفضيحة الحية الواقعية والهاتكة لستر الأعراض في مختلف المجالات وخصوصا للنساء المسلمات، وكثيراً ما تصيب الفضيحة نساءً تواجدن في الفنادق والأعراس أو الحمامات العامة أو غرف تبديل الملابس بالمتاجر أو ما شابه، وأحياناً في الطرقات؛ ليصورن خلسة وتكون الفضيحة. وكل ذلك داخل تحت قوله تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" النور الآية 19.
إنها ظاهرة قديمة جديدة أيقظتها وعظمتها التقنيات الحديثة، وروجتها وفعّلتها النفوس الخبيثة؛ ولم يكن في السابق هناك اهتمام بما نراه من توثيق ونشر الفضائح واقتصر في غالبه على تفضيح المنحرفات، أو في أعقاب بعض الخلافات الأسرية النادرة المصحوبة بأزواج بعيدين تماماً عن منهج الله.
كما أن البحث الانحلالي بين المراهقين كان منصباً على الأفلام والصور الانحلالية التي تقوم على فاجرات امتهن هذه المهنة القذرة؛ ومن هنا كان دور الدعاة والمربين موجهاً نحو تبصير الأبناء بخطورة تلك المواد على الفرد وعلاقته بربه، وتأثيرها السلبي على الأمة الإسلامية جميعها.
كما تباينت نصائح المصلحين بين حجب الوسائل الإعلامية الميسرة لترويج تلك القاذورات، أو تشديد الرقابة عليها، باعتبار أن الإشكالية تكمن في محاربة "التلقي" وأن هذه المواد مصدرة إلينا كعالم إسلامي ضمن روافد الانحلال الغربي؛ فإذا حاولنا منع "التلقي" نجحنا ولو جزئياً في تضييق الخناق على الأبناء، ليتجاوزوا تلك المرحلة الحرجة بسلام، ويدخلوا مرحلة جديدة مصحوبة بالزواج، يفطنوا فيها إلى تفاهة تلك الأمور وبساطتها...
لكن الأمر الآن اختلف!، فقد صار بنو جلدتنا وأبناء جيرتنا وفي أحيان فلذات أكبادنا هم المصدرون، ويصدرون سلعة واقعية نادرة لها بريق ورواج يمايز التمثيل والفيديو كليب كالتمايز بين الذهب والفضة. وعلى ذلك فلابد من وقفة جدية، فاعتماد منهج محاربة "التلقي" فقط لم يعد كافياً، كما أن الدور ازدادت صعوبته على الآباء والدعاة وكافة ولاة الأمور، لأن الكارثة باتت تهدد بيوتاً مسلمة كثيرة، لذا فمحاربة "التلقي" ينبغي أن يكون مصاحباً له محاربة "التصدير" وذلك حتى يتم تحجيم تلك الثقافة والسيطرة عليها.