بسم الله الرحمن الرحيم

اوصاف النار

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحابته الراشدين وبعـــد :

فإن موضوع النار من أهم المواضيع العقدية المتعلقة بالإيمان باليوم الأخر, كما أن أهميته نابعة من تعريف الإنسان بمصيره إذا لم يعرف خالقه أو لم يمتثل لأوامره ونواهيه, وكثيراَ من الناس من يكتب عن الجنة وأوصافها وما أعده الله فيها, وقلما تجد من يكتب عن النار أجارنا الله جميعا منها؛ فلهذا كان هذا البحث الذي يتركز بأنه دراسة تحليلية لنصوص الكتاب والسنة في هذا الموضوع .

وقد كتبته بأسلوب علمي عصري, جمعت فيه بين مخاطبة العقل والحديث عن النار بأرقام حسابيه وبين مخاطبة العاطفة؛ لأن الحديث عن النار يستلزم ذلك, ولأن البحث مخصص لنشره في موقع جامعة الإيمان فستجد صياغته خاصة اعتمدت فيها نسبيا على أسلوب الحوار, كما لم أغفل الجانب الوعظي لحاجة الموضوع إليه, والبحث مليء بالفوائد العظيمة, وقد بذلت فيه جهدا كبيرا ( نسأل الله أن يكتب الأجر ويضاعف الثواب ), وستجد ما اشعر به من نقلة (بالنسبة لي ) في الأسلوب وتطور في الكتابة أكثر من البحوث السابقة وتميز في بعض العناوين والموضوعات نسأل الله أن ينفعنا به وأن يجعله في ميزان حسناتنا 000 آمين آمين .


الحكمة من خلق النار



خلق الله النار سبحانه وتعالى النار لحكمة عظيمة سواء في الدنيا أو في الآخرة فما حكمتها؟

تعال معي لننظر أولا في حكمة خلقها في الدنيا .

اعلم وفقني الله وإياك أن الإنسان يحتاج إلى النار كحاجته للطعام والشراب, وهي من أعظم نعم الله على عباده فكيف يمكن أن نتصور الحياة بدون نار, تصور معي هل يمكن أن نستفيد من كل الثروات التي أودعها الله في باطن الأرض الذهب والحديد والفوسفات القصدير هل نستفيد منها بدون نار وكيف ستتشكل هذه المعادن لاشك انك ستوافقني إذا أخبرتك أن كثيرا من اختراعات وابتكارات الإنسان قد لفحتها النار ومستها ولولا النار لما صارت إلى الحال الذي نراه, هل يعقل أن ترى عالما فيزيائيا أو كيميائيا أو غيره يستغني عن النار في معمله لا شك انه يصبح كالمشلول بدونها, وبعيدا عن الحضارة والاختراعات العلمية والتطور التقني الهائل الذي كان للنار دور في إخراجه إلى عالم الوجود نعود إلى الإنسان ذاته هل يمكن له أن يستغني عن النار ؟ التي تدخل في كثير من شئون حياته في مأكله ومشربه ؟ في التدفئة ؟ في الحركة ؟

إنه من المستحيل أن ترى عربه أو مولدا يعمل بدون طاقه. والطاقة اليوم قد أخذت صورا شتى وألفاظ عدة لكنها في أصلها هي النار فالنار اليوم تحولت بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل التطور العلمي إلى طاقة هائلة يستحيل أن يستغني عنها البشر فلو عدمت الطاقة لتوقفت حركة البشر في الأرض فهل عرفت عزيزي حاجة البشرية إلى النار في الدنيا وهل عرفت نعم الله علينا بخلقه وتسخيره لنا هذه النار إذن فتذكر معي قول الله تعالى: ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[ سـبأ:13] , ولنشكر الله على هذه النعمة وعلى النعم الأخرى التي سنذكرها لاحقا .

لقد ذكر الله هذه الآية . بعد أن بين امتنانه على داود بإسالة عين القطر(1) أي أذابه النحاس وكذا تشكيل التماثيل والجفان, والقدور, وهذا كله لا يكون بالنسبة لنا إلا بالنار قال تعالى ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾[سبأ: 12, 13] فلك الحمد ولك الشكر يارب كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .

أعود إليك مرة ثانيه ! لذكر المزيد من نعم الله علينا في خلق النار ؟ بلى. إذن فماذا بقي؟ لا ريب أن النار نعمة انعم الله بها على عباده ولا ريب أنها أيضا نقمة وخطر عظيم قد يدمر ويحصد آلاف الكيلومترات في لحظة بسيطة بما فيها ومن فيها. لا يقف في طريقه شيء إذا أراد الله يلتهم كل من وما يقف في طريقه . ولذا تعد الحرائق من اخطر الكوارث التي تعاني منها البشرية . ولعلك قد تابعت كما تابع الكثير الحرائق التي دمرت غابات بكاملها سواء في أسيا أو أمريكا أو استراليا فهل عرفت خطورتها ؟

مكمن الخطورة هو بذاته النعمة التي انعم الله بها على عباده .

ألا ترى أن الله قد جعل هذه النار محصورة لما في بثها من المفاسد فمن احتاج إليها استطاع الحصول عليها بأسهل وأيسر الطرق واستفاد منها . وهي مع ذلك محصورة في أشكال وأحوال مختلفة ولو أن الله جعل هذه النعم والمحصورة مبثوثة تسير معنا ونجدها مشتعلة في كل مكان تمد أيديها والسنتها في كل مكان هل كنا سنشعر بالأمن ؟ هل ستكون هذه نعمة ؟ لكن النار نعمة عظيمة . وحصرها نعمة أعظم منها فلك الحمد يارب على نعمتك التي لا تحصى .



الحكمة من نار الآخرة


تناولنا فيما سبق نعمة وحكمة خلق النار في الدنيا .

وقبل أن نواصل حكمة خلق النار في الآخرة أتوقف وإياك لأعرف رأيك وجوابك على هذا السؤال.

ماذا ستكون النتيجة ؟

ماذا ستكون النتيجة ؟ لو أن معلما قال لطلابه في بداية العام الدراسي كلكم ستنجحون!!! أو قال كلكم سترسبون !!!

أنا متأكد انك ستقول لي : أن جميع الطلاب سيعرضون عن المذاكرة حيث سيستوي في النتيجة المحسن والمسيء والمجتهد والكسول !

فكيف إذا قال لهم معلمهم : انه لا اختيار أصلا !!؟

لا شك انه سيندهش الجميع ! لأنه أمر لا تطيقه العقول ولا تستسيغه الإفهام سيسأل الجميع فلماذا المدرسة إذن ؟ لماذا المنهج والمدرسون ؟!! ولماذا الخطط والنظم والانضباط وغيره ؟!! هذا المثال كنت قد قرأته في أحد بحوث أساتذتنا الأفاضل وهو يشبه الكون بمدرسة الحياة . واليوم الآخر يوم إعلان النتائج . وما سيلاقيه المفلحون من الفوز والرفادة.

وما سيجنيه الخاسرون من العذاب والمهانة .

أين سيكون مصير الخاسرين، إنها النار ليس نار الدنيا بل نار الآخرة .

النار التي يعرفها الجرجاني في كتاب التعريفات بأنها :

جوهر لطيف محرق(2) .

أظن انه من المسلمات أن نار الدنيا ليست كنار الآخرة وان نار الآخرة تفضل وتزيد على نار الدنيا بأضعاف كما جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال " ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم " قيل يا رسول الله أن كانت لكافيه قال:" فضلت عليهن بتسعة وستين جزء كلهن مثل حرها "(3) , وزاد احمد وابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة " وضربت (أي نار الدنيا ) بالبحر مرتين ولولا ذلك ما انتفع بها أحد " ونحوه للحاكم وابن ماجة عن انس وزادا " فإنها أي نار الدنيا لتدعوا الله أن لا يعيدها فيها" أي في نار الآخرة .

وفي الجامع لابن عيينة عن ابن عباس قال " هذه النار ضربت بماء البحر سبع مرات ولولا ذلك ما انتفع بها أحد "(4)

ليس هذا فحسب فتعال معي لنتأمل هذه النصوص .

" ﴿ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾[المعارج: 15, 16] " ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ﴾[المدثر:26-29] " "﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾[القارعة: 10, 11] ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ ﴾[الهمزة: 6, 7] ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾[ التكوير:12], وقال الله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾[ البقرة:24], وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾[ الزمر: من الآية16]

ما هذه النار ؟!! ولمن أعدت ؟ وما نستفيد من النصوص السابقة ؟ ألا ترى معي أن الله نسبها إليه . فقال: ﴿ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ﴾[ الهمزة:6]

فكيف ستكون ناره ألا ترى معي : الاستفهام الدال على التعظيم والتفخيم والتهويل: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾[ المدثر:27] ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾[ القارعة:10] ما هذا الوصف المخيف في قوله تعالى: ﴿ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ ﴾[ المدثر:28].

حقيقة لقد فزعت وأنا أقرا هذه الآيات محاولاً استنباط بعض المفاهيم منها ؟ لقد اختلطت الأوراق واحترقت الأفكار عن التفكر بالنار !! ؟ ما أقول ؟ ومن أين أبدا ؟ وهل أعظ أم اتعظ ؟ أردت أن أخوف من النار فإذا أنا خائف . فهل يستطيع الخائف أن يخوف ؟ !!

برهة من الزمن مرت وأنا متوقف ؟ بل مشلول الفكر والحركة استعنت الله بعدها وعدت إليك لأتناقش معك حول النار في الآخرة وهولها وعظمها .

ولقد رأيت في التلفاز صورة لأفران معامل ومصانع الحديد الصلب واخبرني صديق لي زار مصنع أسمنت عمران ورأى فرن المصنع فماذا رأيت وماذا سمعت ؟ رأيت هولا وسمعت عجبا.

فرن تصل درجة حرارته إلى درجة تذيب الجبال والحديد الصلب . وهذه من نار الدنيا!!!

وأنت هل رأيت بركانا ينفجر ؟ هل رأيت حممه البركانية كيف تحول الصخور إلى سائل؟

لو القي كائن حي في هذا الفرن أو في هذا البركان كيف يكون مصيره ؟!! أنا أظن انه ستبخر تماما !! تصور معي الموقف واخبرني بتصورك !! طبعا وهذا التصور بنار الدنيا . فكيف بنار الآخرة ؟

صديقي هذا يقول إنهم في مصنع الأسمنت ما كانوا يستطيعون أن ينظروا إلى ذلك الفرن إلا من مكان مرتفع جدا وعبر نظارات خاصة لما كان يقع على عيونهم من الأذى .

وان أقول لك هل يستطيع أحد أن يرى إلى ضوء مصباح مباشرة قوة المصباح 500فولت؟ اضن انه لن يتحمل دقائق . أما إذا رأى إلى عين الشمس فانه لن يستمر لثواني . فكيف إذا رأى نار جهنم التي ستكون الشمس والقمر جزء من وقودها كما جاء في الأحاديث الصحيحة .

هذا مجرد النظر فكيف بالدخول ؟ !!

أظن انه بعملية حسابية يمكن تقريب المسالة في تصور النار وحرارتها وسنتكلم عن ذلك لاحقاً .




خلق النار ومكانها


ما كنت لأتحدث في هذا الموضوع باعتباره أمرا من المسلمات لولا أن وجدت بحثا في الإنترنت وذلك أثناء بحثي في هذا الموضوع .

هذا البحث الذي وجدته . قرأت فيه ما نصه : أين توجد الجنة والنار : .... فهذا دليل على أن الجنة موجودة حاليا وأما النار فهي غير موجودة حاليا لان الله لم يخبرنا ولو في آية واحدة أن من يموت من غير المؤمنين يدخل النار . ولكن الآية الوحيدة التي تدل على أن النار سوف تخلق يوم القيامة هي الآيات التالية من سورة الفجر: ﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)﴾ [ الفجر:23] وكذلك الآيات في سورة الحاقة, التي تخبرنا أن عرش الله يوم القيامة سوف يحمله ثمانية واغلب الظن أن هذه الثمانية هي السماوات السبع وجهنم هي الثامنة يقول تعالى﴿ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ﴾[ الحاقة: من الآية17]

فبعدا بعدا وسحقا سحقا لمن يتقول على الله من غير علم وللرد على هذه الشبهة نقول :

قال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية: في شرحه لقول الطحاوي أن الجنة والنار مخلوقتان: فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ولم يزل على ذلك أهل السنة(5)

قال العلامة محمد صديق حسن خان في كتابه الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح:

والجنة والنار حق للأديان والأحاديث الواردة في إثباتهما وهي أشهر من أن يخفى وهما مخلوقتان اليوم قبل يوم الجزاء للنصوص الدالة على ذلك نحو : ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[ آل عمران: من الآية133] وقال تعالى: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾[ البقرة: من الآية24] " وأحاديث الإسراء وفيها "أدخلت الجنة ورأيت النار …" قال : وصيغة أعدت موضوعة للمضي حقيقة فلا وجه للعدول عنها إلى المجاز إلا بصريح أيه أو صحيح دلالة وأنى لهم ذلك .
فيجب إجراؤه على الظاهر إذ لا استحالة فيه ولا يقال لا فائدة في خلقهما قبل يوم الجزاء لأن الله تعالى : "﴿ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [ الأنبياء:23] ...."(6) .

وقال محمد صالح العثيمين في شرح العقيدة الواسطية : "وأما النار فهي الدار التي أعدها الله لأعدائه وفيها من أنواع العذاب والعقاب مالا يطاق وهي موجودة الآن لقوله تعالى : ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [ البقرة: من الآية24] والأحاديث في هذا المعنى مستفيضة مشهورة .."(7) .

فأهل السنة مجمعون على أنهما مخلوقتان موجودتان الآن ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة والقدرية"(8).

مكان النار :

أخي الكريم : هل تعلم أني قد قضيت بعض يوم أبحث عن مكان النار !!

طبعاً لم أجده. ولكن وجدت خلاصة ما ذكره الشيخ ولي الله الدهلوي ونقله د. عمر الأشقر "ولم يصرح نص في تعيين مكانهما (أي الجنة والنار) بل حيث شاء الله تعالى. إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه" .

وقال صديق حسن خان : وهو القول الراجح(9)

وهذا فعلاً ما توصلت إليه من أن النار لم يرد نص صريح في تعيين مكانها .

أما الجنة فقد جاء في سورة النجم قوله تعالى : ﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى *عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾[ النجم: 15-14] وأنا استغرب ما ذكره وليا الله الدهلوي من عدم وجود نص يعين مكانها .

ولا يخفاك أن العلماء قد اختلفوا في موقع النار الآن .

فقال بعضهم أنها في الأرض السفلى وقال آخرون هي في السماء وقال آخرون بالتوقف منهم الإمام السيوطي حيث قال (… ونقول فيها بالوقف أي محلها حيث لا يعلمه إلا الله. فلم يثبت عندي حديث اعتمده في ذلك."(10) .

ولكن كما أخبرتك أنه بعد الجهد الكبير والوقت لم أجد إلا هذه المعلومات إضافة إلى ما ذكره ابن كثير من أن النار في البحر لحديث "لا يركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر ناراً …"(11) لكن ما أقول لك إنما توصلت إليه الآن هو أنه ليس من المهم معرفة مكان النار – وإن كان ذكري له من باب الفائدة العلمية ليس إلاَّ فنحن إنشاء الله لن نذهب إليها. فالإنسان لا يبحث إلا عن عنوان وطريق يريد الذهاب إليه لكن المهم والذي ينبغي التنبه له أن نؤمن الإيمان الجازم بوجودها وبأنها حق. وأن نعرف ما يجب علينا فعله لنتجنبها وأن نسعى جاهدين لإنقاذ أنفسنا منها أجارنا الله وجميع المسلمين منها .



أوصاف النار



تعال معي نفتش المصحف ونقلب أوراقه ونتلو آياته مع مرورنا على الآيات ستلاحظ وتقرأ العديد من الآيات التي تكلمت عن النار وتحدثت عنها وصورتها حتى كأنها ماثلة للعيان. وكذلك الجنة. ستقرأ كل ذلك وستجد أن الأسلوب القرآني قد راعى الجوانب النفسية للمخاطب فالإنسان يؤثر فيه جانب الترغيب والترهيب إلى حد يجعله يسيطر عليه ويسير حركاته بل وأفكاره وخواطره .

ولو تمعنا قليلاً في وصف النار لوجدنا أن الله سبحانه وتعالى قد وصفها في كتابه ووصفها نبيه صلى الله عليه وسلم وصفاً دقيقاً بين فيه مكانها وحجمها وحرارتها وأسمائها. ودركاتها وأوديتها وأنواع العذاب فيها ومن يدخلها وأوصاف الداخلين فيها. كما بين كيفية النجاة منها ومع ذلك الوصف الدقيق نقول أن هذا الوصف ما هو إلاَّ لتقريب البعيد ولقياس الغائب على الُمشاهَد تقريباً للأذهان وتحقيقاً للمقصود من الوصف " ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [ الزمر: من الآية16].

ولو وُصِفَت النار بأوصافها الحقيقية لما بلغت أفهامنا ولما استوعبنا هذه الأوصاف .

ولو سألتك عن أوصاف الجنة لقلت لي أيضاً أوصافها لتقريب المعاني ومن هو أفضل من يصف الجنة أليس الله وكذلك نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فما هو أعظم وصف وصفها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!!

ألم يصفها بقوله: "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"(12) جعلنا الله جميعاً من أهلها .

فهل يمكن أن نسحب هذا الوصف الذي وصف الرسول به الجنة ونصف به النار فنقول مثلاً فيها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ؟!!! هذا تساؤل يحتاج إلى بحث وإمعان نظر لكن ما نستطيع أن نجزم به أن عذاب النار أكثر بكثير من أن يكتب في ورقات.

وأن أوصاف النار في القرآن والسنة ما هي إلا تقريبية: فوصفت بأوصاف وتحدث عنها بشكل بسيط تقريباً للأفهام ولتحقيق مقصود الشارع سبحانه وتعالى " ﴿ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ﴾ [ الزمر: من الآية16].

فلو وصف خبير فلكي لشخص أميَّ الأقمار الصناعية وتركيباتها ووظائفها وطريقه عملها لما استطاع فهم شيء كذا لو وصف خبر معامل لأخر لا يعلم عن المعامل الكيميائية والفيزيائية المتخصصة في صنع الذرة والرؤوس النووية. لما استطاع أن يفهم طبيعة هذه المعامل وتلك النظريات فإن كان هذا الرجل ساذجاً متطاولاً فلا شك أني وإياك سنراه يحاول الظهور بمظهر العالم الخبير ويبدأ في الانتقاد !!!

لماذا وضع هذا الأنبوب بهذا الشكل المتعرج ؟!! وبهذا الحجم الصغير ؟ وما تلك الأطباق ألم يكن من الأفضل لو كان هذا المعمل في وسط المدينة ليسهل إمداده بما يحتاج من مواد ؟ ثم لماذا الإضاءة في تلك الزاوية خافته ؟ ألا يدل ذلك على ضعف المولد الكهربائي وعدم اهتمام المسئول ؟!! ولما تلك الأجهزة وبذلك الشكل لو وضع بعضها فوق بعض لا تسع المكان وسهلت الحركة فيه ؟

وبهذا يحكم الجميع على ذلك الرجل بالجهل ومن الخبراء من ينظر إلى هذا الرجل نظرة إشفاق على جهله وعدم إدراكه ومنهم من ينظر إليه نظرة تهكم واستهزاء وسخرية على تطاوله وتعالمه .

فإذا أراد أحدنا أن يقرب معنى لأخر لا يعرف ذلك الشيء فإنه لاشك أنه سيحاول اختيار ألفاظ معروفة عند المخاطب يستطيع من خلالها إيصال ذلك المعنى. ولو تكلم بالألفاظ العلمية وبأسلوب عالي لما استطاع أحد فهمه .

كما ينبغي أن يكون الوصف دقيقاً لاسيما في الأمور الغيبية فإن الحديث عن الغيب يتطلب وضعيه خاصة وإلمام شامل حتى لا يقاس الغائب على الحاضر وهذا فيه ما فيه من المخاطر .

وأجد هنا مناسبة لإخبارك بمثال كثيراً ما يردده فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني حفظه الله تعالى في القياس الفاسد للأمور الغيبية على الحاضرة فيقول :

لو أن أعرابياً (يعيش في صحراء أو رجل يعيش في أحراش الغابات لا يفقه شيئاً من أمور الحضارة) دخل مدينة من المدن وراء المذياع وسمعه ينقل الأخبار والمنوعات فدهش وذهل وعاد إلى قومه فقال لهم : رأيت وسمعت الحديد يتكلم !! ثم مات هذا الرجل. ماذا تتوقع أن يحدث ؟ أترك الإجابة للشيخ الزنداني : الذي يقول في معنى كلامه لاشك أن هؤلاء القوم الذين لم يروا المذياع والذي يعتبر بالنسبة لهم غيباً سيتناقشون في أمر صاحبهم ومخبرهم رجل صادق لا يكذب. ولكنه وصف لهم وصف جزئي للمذياع. فمنهم من سيقول مادام الحديد يتكلم فيلزم أن يكون له لسان يتكلم به وإذا كان له لسان فيلزم أن يكون له فم. وما دام أن له فم فهو حي يحتاج إلى الغذاء فيلزم أن يكون له جهاز هضم وعلى هذا يلزم أن يكون له جهاز إخراج .

ولأنه يتكلم لأي يحدث غيره فمعناه أن غيره يحدثه فيلزم أن يكون له جهاز سمعي فله إذن أذن أو أكثر ويلزم... ويلزم .. ويلزم .... حتى جعلوا من هذا المذياع إنسان لماذا لأنهم قاسوا الأمر الغيبي على المشاهد. وكان هذا نتيجة الوصف القاصر. فلوا أن من وصف لهم ذلك المذياع شخص متخصص يشرح مكونات هذا الجهاز وطبيعة عمله ويمثل ذلك بأمثله معروفة لديهم وبألفاظ سهله معانيها واضحة عندهم لما تصوروا ذلك التصور ولا ألزموا ذلك الجهاز بتلك اللوازم .

وبعد هذه المقدمة التي أخشى أن أكون قد أطلت عيك بها والتي رأيت أنه لابد منها. نبدأ حديثنا عن أوصاف النار .

أولاً : أسماهـا

ذكر الله سبحانه وتعالى للنار عدة أسماء. كل إسم للنار هو صفه لها ولأحوالها. فمن أسمائها .

1- النار : قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾[ فصلت:19].

= = ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً ﴾[ النساء: من الآية56]

= = ﴿ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾[ الزمر: من الآية16].

= = ﴿ وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ ﴾[ غافر: من الآية47].

وقال صلى الله عليه وسلم : "ناركم هذه جزء من سبعين جزء من حر جهنم.."(13) .

2- جهنم وقد ورد في القرآن أكثر 75"مرة" منها :

قال تعالى : ﴿ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ﴾[ البقرة: من الآية206]

= = : ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾[ آل عمران:12] .

= = : ﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾[ آل عمران:197] .

= = : ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ﴾[ النساء: من الآية55].

= = : ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ ﴾[ الأعراف: من الآية179] .

هذه هي الآيات التي وردت في جهنم وتعال معي الآن لنرى ما قاله أهل اللغة فيها :

قال ابن منظور في لسان العرب :

الجهنام : القعر البعيد وبئر جهنم وجهنام بكسر الجيم والهاء. بعيده القعر .

وبه سميت جهنم لبعد قعرها …. جهنم من أسماء النار التي يعذب الله بها عبادة(14) .

وبه قال الجوهري(15), وقال الفيروزبادي : "وجهنم كمعلس بعيده القعر"(16) .

3- الحطمة : ومن أسماء النار الحطمة:

قال تعالى : ﴿ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ ﴾[الهمزة: 4, 5].

وعند قراءتي لمعاني كلمة حطمة في قواميس اللغة وجدت المرتضى الزبيدي في كتاب تاج العروس يقول في معانيها : "والحطمة الشديدة من النيران تجعل كل شيء يلقى فيها حطاماً. أي متحطماً متكسراً. وقوله : ﴿ كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ﴾[ الهمزة:4]

" هو اسم لجهنم نعوذ بالله منها لأنها تحطم ما يلقى فيها. وهو من أبنية المبالغة .

وفي الحديث "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً " أوباب لها, وكل ذلك من الحطم الذي هو الكسر والدق"(17).

وقال الفيروز بادي في القاموس المحيط : "ما تحطم غيظاً وتلظى"(18) .

4- السعير : وقد وردت في القرآن أربعة عشر مرة منها :

قال تعالى : ﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ﴾[ النساء: من الآية55].

وقال تعالى : ﴿ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً ﴾[ الإسراء: من الآية97].

وقال تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً ﴾[ الأحزاب:64].

5- سقر : وردت في القرآن أربع مرات قال تعالى : ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ ﴾[ القمر:48] , وقال تعالى: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾[المدثر: 26, 27] , وقال تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ﴾[ المدثر:42].

فهذه سقر قال عنها المرتضى "الساقور : الحر قيل وبه سميت سقر. وقيل الساقور الحديدة تحمى على النار ويكوى بها الحمار(19) .

وسقر : إسم من أسماء جهنم … وسميت النار سقر لأنها تذيب الأجسام والأرواح من قوله سقرته الشمس أي أذابته(20) .

وقال ابن منظور : سقرته الشمس تسقره سقراً لوحته وآلمت دماغه بحرها وذكر ما ذكره الزبيدي"(21).

لظى : قال تعالى : ﴿ كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ﴾ [المعارج: 15, 16] .

قال تعالى : ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ﴾[ الليل:14] .

قال في القاموس المحيط : اللظى النار أو لهبها ولظى معرفة جهنم .

ولعلني أكون قد أطلت بعض الشيء في المعاني اللغوية لأسماء النار لكني ذكرتها إتماماً للفائدة, نعود إلى موضوعنا في وصف النار.

وقبل أن نتحدث وإياك حول هذا الوصف تلاحظ معي دقة الوصف بل وهو له فهو يتحدث عن أبوابها ولون نارها وعمقها وأوديتها وأنواع العذاب فيها كما أنه وصف الجزء الخارجي منها ووصف خزنتها. وذكر حوارها مع ربها فما رأيك في قراءة لبعض الآيات التي وصفت النار لنتأمل سوياً تلك الأوصاف قال تعالى : ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ﴾[الحجر:43, 44], وقال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ ﴾[المؤمنون:103, 104], وقال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾[ قّ:30].



وصف النار



في حديثنا عن النار نستحضر قول الله تعالى: ﴿ وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضاً ﴾[ الكهف:100] ونقول إن هذا العرض يوم القيامة قد سبقه عرض قبله في الدنيا وذلك بما أورده الله من الآيات البينات التي بينت النار أعاذنا الله جميعاً منها – فقد تكلم عنها ووصفها بدقة متناهية. فتعال معي لنتأمل في هذه الأوصاف ولنعرف حقيقة هذه النار لنبعد أنفسنا عنها. فزيادة العلم بهذا المخلوق تجعلنا نعطيه حقه من الخوف والابتعاد عنه .

وإذا كان قد قيل قديماً : الإنسان عدو ما يجهل فأني في هذا المقام وفي هذا الموضوع أرى العكس فالإنسان عدو ما يعلم وكلما زادت معرفته وزاد علمه بالنار وطبيعتها وخصائصها زاد من عدائه لها .

ولا أعني العداوة العداء المتعارف عليه بين الناس وإنما أعني البراء منها والخوف والحذر والكراهية والبغض وغيرها من الأوصاف التي تؤدي الهرب من النار والفرار إلى الله ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾[ الذاريات:50].

فيتحقق الفوز العظيم بالنجاة من النار﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾[ آل عمران: من الآية185] ولكن هذه الكراهية لا تكون لذات النار فهي مخلوق خلق لحكمة يؤديها لكن نكره الأعمال التي تؤدي بنا إليها .

إن الله سبحانه قد شق البحر لسيدنا موسى عليه السلام وجعل ذلك معجزة له. وشق البحر لسيدنا محمد شقاً معنوياً بما أوضح وبين من المعلومات عن البحر من سطحه إلى قعره .

وكما حصل هذا الشق في البحر لسيدنا محمد فقد حصل شقاً أخر في النار فوصف الله النار وصفاً دقيقاً في مظهرها الخارجي في دركاتها وفي صفات كل دركة وأحوال أهلها, وفي شررها ودخانها في أبوابها وخزنتها في سلاسلها وأغلالها. في حياتها وعقاربها في جبالها وخنادقها في سعتها طولاً وعرضاً وعمقاً في جبالها وأوديتها. في غطائها وسرادقها .

فلنحاول وبحذر شديد أن نعرف بعض هذه الأوصاف :



الوصف الخارجي للنار



ذكر الوحي – الكتاب والسنة – أوصافاً للنار من هذه الأوصاف ما هو داخل جهنم كالشرر واللهب والجبال وأنواع العذاب. ومنها ما هو خارجي كالعنق والنظر والسمع والكلام. وغيرها – وغيرها من الصفات المعنوية كالغيظ .

وسنرى هذه الصفات واحدة تلو أخرى .

بصر النار

خلق الله سبحانه للنار عينين ترى بهما كما وردت بذلك نصوص الكتاب والسنة قال تعالى: ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾[الفرقان:12].

وقال أيضاً : ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾[ النازعـات:36]

قرأت عائشة ومالك بن دينار وعكرمة وزيد بن علي بالفوقية أي : لمن تراه الجحيم(22) .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يخرج يوم القيامة عنق من النار لها عينان تبصران وأذان تسمعان ولسان ينطق تقول إني وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد. وبكل من دعا مع الله إلها أخر وبالمصورين"(23) .

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى : ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾[الفرقان:12]

.." أي من مسيرة خمسمائة عام(24). وهو ما رجحه من أنها تراهم على الحقيقة قال وهو الأصح لما روي مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من كذب على متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً"(25) وقد أخرجه الطبراني وابن مردويه من طريق مكحول عن أبي أمامة قال قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كذب علىَّ متعمداً فليتبوا مقعده من بين عيني جهنم" قالوا : يا رسول الله وهل لجهنم عين؟ قال نعم أما سمعتم الله يقول ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ ﴾ فهل تراهم إلا بعينين"(26).

فانظر أخي الكريم إلى القوة الباصرة لهاتين العينين اللتين تريان من على مسيرة خمسمائة عام وعن ابن عباس أنها ترى من مسيرة مائة عام. أي قوة تلك ولعمري كيف حال المنظور إليه بهاتين العينين وأين سيفر منها. نعود إلى تكملة الحديث الذي رواه القرطبي (يخرج عنق من النار له عينان تبصران ولسان ينطق فيقول وكلت بكل من جعل مع الله إلهاً آخر فلهو ابصر بهم من الطير بحب السمسم فيلتقطه" .

قال الشوكاني: (… ولا مانع من أن يجعلها الله مدركة هذا الإدراك)(27) .

وقال الشنقيطي في أضواء البيان: إعلم أن التحقيق أن النار تبصر الكفار يوم القيامة كما صرح الله بذلك في قوله هنا: ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ ورؤيتها إياهم من مكان بعيد تدل على حدة بصرها كما لا يخفى … ولا تغتاظ. وأبى ذلك لكه من قبيل المجاز. أو أن الذي يفعل ذلك خزنتها كله باطل ولا معول عليه لمخالفته نصوص الوحي الصحيحة بلا مستند. والحق ما ذكرنا(28).



النار ترى فهل ترى ؟



ذكرنا النصوص الدالة على رؤية النار لأهلها ورؤيتهم لها كما قال تعالى : "﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[ الأنعام:27].

وكقوله تعالى: ﴿ وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً﴾[الكهف:53].

وكقوله تعالى: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾[ النازعـات:36] .

نسأل الله عز وجل أن يحجبنا عن النار وأن يحجب النار عنَّا – وهذه الرؤية كما ذكرنا في الآخرة فهل يمكن للبشر رؤية النار في الدنيا ؟

جاءت الأحاديث الصحيحة عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم للنار كما رأى الجنة فمنها ما جاء عن ابن عباس في صلاة الكسوف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً. ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع. ورأيت أكثر أهلها النساء"(29).

وفي مسند أحمد عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن النار أدنيت مني حتى نفخت حرها عن وجهي. فرأيت فيها صاحب المحجن والذي بحر البحيرة صاحب حمير وصاحبه الهرة"(30) فهذه الرؤية خاصة بالنبي لكن قد جاءت الأدلة من الكتب والسنة على رؤية البشر للنار قبل يوم القيامة لكن ليس في الدنيا بل يراها الجميع بعد الموت في الحياة البرزخية.


يتبع بقيه

V

V

V