الطلح من ثمار الجنة التي أعدها الله لعباده المؤمنين. قال تعالى: {و أصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود * وطلحٍّ منضود * وظل ممدود} [سورة الواقعة: الآيات من 27 - 30].

قال الطبري: قوله {في سدر مخضود} يعني في ثمر سِدرٍ موقر حملاً قد ذهب شوكه. قال قتادة: وعن ابن عباس: خضده، أي وقره من الحمل، وعن عكرمة: لا شوك فيه. {و طلحٍ منضود} قال المعمر بن المثنى هو عند العرب شجر عظام كثير الشوك، وأما أهل التأويل من الصحابة والتابعين فيقولون أنه الموز. قال ابن عباس وعلي وروي عن مجاهد وعطاء وقسامة وقتادة. وعن ابن زيد قال: الله أعلم إلا أن أهل اليمن يسمون الموز الطلح. والمنضود هو الذي نضد بعضه على بعض وجمع بعضه إلى بعض.

و روى ابن كثير عن أبي سعيد الخدري في قوله {و طلح منضود} قال: الموز وأهل اليمن يسمون الموز الطلح. وروى ابن الجوزي في قوله {منضود} قال ابن قتيبة: هو الذي نضد بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلى آخره فليس له ساقٌ بارزة. وعن مجاهد {منضود} أي متراكم الثمر ....

و لفظ الموز معرب عن الهندية _ موزا Musa Sapientum. وكان العرب يشبهون ثماره بالأصابع _ البنان _. فلما انتقلت زراعته إلى إسبانيا ومنها إلى أوربا أسموه Banana وهو شجرة عشبية طولها 3 - 6 أمتار من وحيدات الفلقة من الفصيلة الموزية Musace"es ولقد عرفه البشر منذ أكثر من ألفي عام ويعتقد أن موطنه شبه الجزيرة الهندية، وقيل الملايو، ومنها انتقل إلى بلاد فارس وإلى إفريقيا ومنها نقله البرتغاليون إلى كثير من أنحاء العالم.

و يعتقد أن الصينيين منذ القديم استعملوا خلاصة جذور شجر الموز دواءً لمعالجة الحصبة والصداع واليرقان. كما كان حكماء الهند يعتمدونه. وقد أشاد العالم النباتي بليني Pline _ 79 قبل الميلاد _ بمزايا الموز وكان يطلق عليه طعام الفلاسفة، كما يعتبر الفاكهة المفضلة عند الآشوريين.

و إذا كان الموز يتصدر معظم موائد العالم كفاكهة ممتازة فإنه يعتبر بالنسبة لبعض البلدان غذاء رئيسياً كما في جزر الأنتيل والفليبين وسواحل أمريكا الوسطى وأواسط إفريقيا فهو بالنسبة لهم كالقمح بالنسبة لنا. وإذا كان يؤكل نيئاً كفاكهة لكنه قد يطبخ ويصنع منه أنواع الجيلي. كما يصنع دقيق من شرائحه المجففة، ودقيقه من الناحية الكيماوية قريب من دقيق الأرز. ويصنع منه في فرنسا خبز يعجن مع السكر ويعطر بالطيب ويتزود منه الناس في أسفارهم.

و الموز غني بماءات الفحم التي تهب الجسم الطاقة والحرارة. وتتكون من النشاء الموجود في الموز الفج، لذا يكون هذا النوع عسر الهضم قليل الحلاوة. وكلما نضج الموز تحول قسم كبير من نشائه إلى سكر فيصبح سهل الهضم مستساغ الطعم. وإن نسبة السكاكر العالية لا توجد في أي من الفاكهة الأخرى، إذ تصل حتى 24 % من وزنه. أما باقي المواد التي تدخل في تركيبه فهي الماء _ 70 - 78 % _ بروتين _ 0.34 - 1.2 % _ دهون _ 0.4 - 0.9 % _ وألياف سللوزية _ 0.5 - 1 % _. كما يحتوي على أثر من النشاء والعفص. هذا وإن كل 100 غ من الموز تعطي من الحريرات ما يعطيه 100 غ لحم، يضاف إلى ذلك أثره في تمتين الأنسجة وتجديدها لما يحويه من فيتامينات وأملاح معدنية.

فالموز يحتوي على نسبة جيدة من الفيتامين " ث = C " لذا فهو مضاد لداء الحفر وواقٍ جيد من الكريب والنزلات الشعبية وعامل مقوٍ ومضاد للتعب والإنهاك. كما يحتوي على مجموعة الفيتامين " ب " وخاصة " ب 1 ب 2 ب 6 ب 12 " لذا فهو مفيد في التهاب الأعصاب وفي حالات فقر الدم والتشنج وللمصابين بالرثية وفيه نسبة عالية من الفيتامين " أ = A " (300 وحدة دولية / 100 غ) الذي يساعد على النمو ويقوي البصر.

أما الأملاح المعدنية فتوجد في الموز بكمية كافية تؤهله لتزويد الجسم بأكثر حاجاته من العناصر الحيوية. فهو غني بالبوتاسيوم _ 40 ملغ / 100 غ _ فقير بالصوديوم خالٍ من الكولسترول لذلك يستعان به على خفض الضغط الدموي المرتفع ة على تخفيف حمولة الكلى وللوقاية من تصلب الشرايين. ويحتوي على نسبة لا بأس بها من الكالسيوم والحديد والنحاس. وعلى نسبة جيدة من الفوسفور الذي يسمى بملح الذكاء والذي يساعد المشتغلين بالأعمال الذهنية والفكرية، والفلور الذي يحمي الأسنان من التسوس. وباحتوائه على مادة البكتين فهو يساعد على مكافحة الإسهالات.

يقول الدكتور لابيه رئيس مختبر الطب في باريس: إنَّ القيمة الغذائية للموز عالية، فالموز الطري يحتوي على نفس الفائدة لنفس الكمية من اللحم، أما الموز الناضج جداً فيحتوي على ضعف هذه النسبة، والموز وإن كان يعتبر من الأغذية الممتازة فمن الخطأ اعتباره غذاءً كاملاً فلا بد من إضافة أغذية أخرى إلى الموز تحتوي على الدهن كالحليب مثلاً والذي يعتبر مكملاً للموز...

هذا ويعتبر الموز غذاءً وعلاجاً للذين يشكون من الإرهاق والهزال وللمصابين بأمراض قلبية أو كلوية وكبدية، بل هو الغذاء المثالي لهم. أما المصابون بالداء السكري والبدينين فلا يلائمهم الموز لغناه بالمواد السكرية. كما أنه نظراً لقلة ما يحتويه من ألياف تجعلنا ننصح المصابين بالإمساك بعدم الإكثار منه.

إن هضم الموز وتمثله والاستفادة منه لا تتم إلا بشرطين وهما أن يكون تام النضج وأن يمضغ جيداً. وبهذا نتفادى محاذيره وسوء هضمه إن كان فجاً وخاصة لمن كانت معدته ضعيفة أو كان جهازه الهضمي غير سليم. هذا ويمكننا أن نسحق ثمرة الموز أو نخفقها كعجينة لتقديمها لأمثال هؤلاء ولصغار الأطفال ليحسن الاستفادة منها.

و الموز الناضج علاج جيد للمصابين باضطربات هضمية حادة وخاصة عند الصغار وللمصابين بالتهاب الأمعاء الغليظة _ القولونات _ والآفات الهضمية المزمنة وداء الذرب Spure الذي ما زالت أسبابه غامضة والذي ينتهي إلى الهزال الكلّي وانهيار الجسم فإن الموز أفضل علاج أمين وشافٍ له. فهو يحتوي على جميع العناصر الفعالة واللازمة للشفاء من هذا الداء المخاتل. ويحتوي الموز على مواد قلوية تحول دون حدوث التخمرات المعوية، وهذه القلويات تعتنر علاجاً شافياً من حماض الأنسجة والاستقلاب الغذائي Acidosis في اضطرابات الهضم المزمنة، إذ يعدّل هذه الحماضات ويرفع درجة القلوية الاحتياطية للدم أيضاً ويستدل على ذلك من تحول التفاعل الكيماوي للبول من حامض إلى قلوي.

و يستفاد من قلوية الموز في معالجة التظاهرات المرافقة للقرحة المعدية. فلقد نقلت أولغا كريج Olga Craig [عن مقالة لها بعنوان (Banana aday Keeps ulcers at abay] في صحيفة Today البريطانية بتاريخ 7 كانون الثاني لعام 1991] عن المجلة الطبية الأسترالية أبحاثاً تفيد أن موزة واحدة كل يوم تقي تماماً من تفاقم القرحة المعدية، ,أن تناولها قبل الطعام يشفي من قرحة المعدة، كما تتحدث التقارير عن الشفاء من الألم القرحي وحرقة المعدة بتناول موزة مسحوقة مع الحليب _ Coctail _ ويؤكد البروفيسور Barin Hills _ كاتب البحث _ أن الموز يعيد إلى المعدة المقروحة البطانة الواقية التي توجد عند الشخص السويّ. كما تؤكد خبيرة الأغذية شيللا كيسنجر أن الحوامل في أشهر الحمل الأخيرة كثيراً ما يعانين من حرقة المعدة يرافقها بعض الاقياء، وقد أثبتت أن الموز علاجٌ شافٍ للحوامل من هذه الظاهرة.

و الموز لسهولة احتماله ولما يحتويه من سكر فواكه وفائض القلوية والفيتامينات وبإشراكه مع الحليب يعتبر غذاءً ممتازاً للترميم خلال دور النقاهة من الأمراض الشديدة والحمّيات، وفي نقص التغذية وعند الحوامل والمرضعات وللرياضيين وعمال المهن الشاقة والشيوخ وخاصة الذين يعانون من ضعف الشهية.

كما اكتشفت الأبحاث الحديثة [عن قاموس الغذاء والتداوي بالنبات، تأليف أحمد قدامة: 1982] وجود هرمونات في الموز ذات صفات مقوية عالية من شأنها تنظيم الجهاز العصبي. وإن تناول الموز بانتظام يعطي الأطفال التوازن النفسي ويشع فيهم روح الغبطة والمرح.

هذا ولم يغفل تراثنا الإسلامي قيمة الموز العلاجية فقد قال عنه ابن القيم: أنه حارٌّ رطب

أجوده النضيج الحلو، ينفع من خشونة الصدر والرئة والسعال وقروح الكليتين والمثانة ويدرُّ البول ويزيد في المني ويحرك شهوة الجماع ويلين البطن ويزيد الصفراء والبلغم، أما ابن البيطار فيقول عن الموز: ينفع من السعال وأوجاع الصدر وقلة الدم ويسمّن كثيراً وهو جيد للصدر والكلى ويدر البول ويزيد في البلغم والصفراء ويحرك الباه ويزيد في المني.



مراجع البحث

1. الإمام ابن جرير الطبري: عن كتابه (جامع البيان عن تفسير آيات القرآن).

2. الإمام الحافظ ابن كثير: عن كتابه (تفسير آيات القرآن العظيم).

3. أيمن عزت الطباع: عن كتابه (المرشد إلى طبابة الأعشاب) دمشق: 1984.

4. محمد كمال عبد العزيز: عن كتابه (الأطعمة القرآنية) القاهرة: 1977.

5. صبري القباني: عن كتابه (الغذاء لا الدواء) بيروت: 1977

6. أحمد قدامة: عن كتابه (قاموس الغذاء والتداوي بالنبات) بيروت: 1982

7. ابن قيم الحوزية: عن كتابه (الطب النبوي).

8. ابن الجوزي: عن كتابه (زاد المسير في علم التفسير).


م للفائده