وقفة صادقة للمحاسبة


في تقلب الأيام ودوران الأفلاك فرص للتأمل، ووقفات للنظر، فرص ووقفات تحتاجها الأمم والأفراد لتنظر في أحوالها، وتتفكر في شؤونها، وتسعى في إصلاح ما فسد من أوضاعها، وتجدد ما ضعف من مقوماتها، وتعالج ما اختل من شؤونها وموازينها، فترات ولحظات قد تكون فاصلة في تاريخ الفرد والجماعة، ومفتاحا لمستقبل مشرق وخير عميم.
يقال ذلك وقد حل بساحة الأمة شهرها المعظم وموسمها المبارك: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185] شهر الصيام والذكر، وشهر الفتح والنصر، شهر العزة والكرامة، وشهر الجود وأنواع العبادة.
وهنا هل من وقفة صادقة للمحاسبة؟ هل من وقوف جاد للتأمل؟ لعل الأمة تستبين منعطفا تستقيم به على الجادة: { هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة: 185] شهر رمضان، شهر الحق والعزة والقوة، شهر الحرية والانعتاق من الشهوات والأهواء.
وفي ظل هذا الشهر الكريم ترى في الأمة تعساء يستقبلونه على أنه شهر جوع نهاري، وشبع ليلي، نوم في الفرش والمساجد في النهار الى ما بعد العصر، وسمر في الليل ممتد إلى طلوع الفجر، ليس رمضان عندهم إلا موسما للموائد الفاخرة، بألوان من الطعام والشراب زاخرة، ذو العمل منهم يتبرم من عمله، وصاحب التعامل يسيء في تعامله، وذو الوظيفة تثقل عليه وظيفته، وجوههم عابسة، وصدورهم ضيقة، وألسنتهم سليطة، وغيظهم حانق، لا يرون في رمضان إلا جوعا لا تتحمله أمعاؤهم، وعطشا لا تقوى عليه عروقهم، يقابل هذا الصنف قوم رضي الله عنهم ورضوا عنه، يستقبلون شهرهم ليجددوا فيه صلتهم مع ربهم، ويعيشون نهارهم عيشة الأبطال في المعارك، ويقطعون ليلهم بلذيذ المناجاة وصادق الابتهالات، ايثار جميل، وصبر كريم، وتهذيب في الخلق نبيل، لا يقابلون الإساءة بالإساءة ولا يردون البذاء بالبذاء: "وإن سابه أحد، أو قاتله قال: إني صائم".
بالله عليكم أي الفريقين أحق بأن تفتح له ابواب الجنان، وتسد عنه أبواب النيران؟ أي الفريقين صفدت شياطينه؟ ومن منهم أحق بنفحات الرحمن؟ ومن الأحرى بموافقة ليلة القدر، فتغفر ذنوبه، ويدرك ربه وينجو من نار السعير؟