محنة القارئ
من خلال رواية:
" الدراويش يعودون إلى المنفى"

للروائي والقاص التونسي
"إبراهيم الدرغوثي"




في حلة أنيقة ومتألقة ،ومن خلف أسوار ضباب لندن الكثيف، شهدت رواية "الدراويش
يعودون إلى المنفى " للقاص والروائي التونسي "ابر هيم الدرغوثي " النور ووقعت ميلادا
بحروف من ذهب تؤرخ لما ستناله هذه الرواية من مكانة عريقة عراقة الأحداث التي تعالجها .


بدا الروائي من خلال هذه الرواية مختلفا جدا وهو يخوض غمار أحداث متناسلة ...بدا كالعائد
من أغوار التاريخ والذاكرة ومتملصا من رحم الصوفية ،والتراث الشعبي والإسلامي وأزمنة
كثيرة قد مضت وفي نفس الوقت بدا ابن عصره يعاشر أحداث الساعة لكن بتناقضات كثيرة.


لقد صهر الكاتب كل الأزمنة داخل بوتقة الرواية ليخلق من لدنها أحداثا مستهجنة ،غزيرة
وكثيفة وعميقة انصهر القارئ في جوانيها ،وراح ضحيتها تتقاذفه أمواج الحيرة والقلق بعدما
أن تخلى عنه الدرغوثي في صحراء شاسعة يتبدى له التاريخ سراب وأشياء أخرى فما يكاد
يخترق متاهة إلا ويدخل في أخرى.


يشعر قارئ هذه الرواية بأنه في رحلة طويلة ،يشعر فجأة انه شخصية من شخصيات الرواية
يعايش أحداثا كان يسمع عنها فقط أو قراها أو شاهدها فيلما....


هاهو الكاتب يتيح له فرصة معايشتها وتلبس حالات كثيرة ،بذلك بدأت محنة القارئ مع هذا
السيل الجارف من المتناقضات والكم الهائل من الأسئلة والعبث والسخرية والجرأة الفنية...


لقد ورثه الكاتب حيرته ودهشته واستغرابه ،وها القارئ يجد نفسه ممتطيا البراق يتجول
به في القرن الواحد والعشرين كما يمتطي سيارة المرسديس في قرون قد مضت....


رواية "دروب المنفى" ليست رواية عادية وبالتالي فهي تتطلب قارئا من الدرجة الأولى
قارئا محصنا بمخزون ثقافي واسع قارئا ملما بثقافة حول تاريخ حاتم الطائي،قطر
الندى،المعتضد العباسي،احمد ابن طولون .........وغيرهم.


الراية تتحدى القارئ بجرأة كبيرة وتزج به في عوالم من الاستفسارات ،فهي تستنطق
التراث بعد أن تستحضره بذكاء وحنكة فنية ،إنها تستحضر تقريبا كل الأحداث والأزمنة
الماضية وتشهرها أمام القارئ الذي يتحير في أمرها ولا يعرف من أي الأبواب يدخلها ...


نص كهذا تلد منه لذة القارئ كما تتوالد منه محنته .وبين لذة ومحنة وجد القارئ
نفسه تائها هناك في صحراء الدرغوثي.



حفيظة ابراهيم