تبقى المسافة شاسعة، تحتاج الى وسائل مواصلات باذخة الخدمات، حتى نقطع المسافة الضوئية التي تفصلنا بين واقعنا الافتراضي، وبين حقيقة مرة تتربع على قلب وضع واقعي مزري مخل، مخجل.

الإزدواجية/ التلون/الوجوه المزيفة/الأقنعة/ كلها شهود وضيوف دائمو العضوية في مجتمع متخم بالنفاق الإجتماعي.

حتى على مستوى المجتمع الصغير "الأسرة" تجد المواراة والريبة والرياء المجتمعي يضرب بأطنابه وتهب عواصفه فتقتلع خيام الصفاء والصدق،

الأب يؤدي دور البطل الوقور القدوة، والأم محترمة جدا في حديثها مع بناتها، والبنت ملاك طاهر، والولد يصبغه الوقار بين يدي أسرته،

وما إن يختلي كل بنفسه، أو بني جلدته، حتى ينقلب الأب إلى شئ آخر، ربما يحكي مغامراته في بلاد ماوراء الجسر أو النهر، والأم الى مستودع لا ينضب من الغيبة والخديعة والغيرة، والبنت الى محاورة جيدة عبر فتحات النت المنتشرة في دهاليز التعرف و"التمكشخ" ، والولد الى وكالة ضخمة من أذية الناس، والتفحيط وربما السفرات الملونة...

أكره ضرب الأمثلة، لأن البعض يسترسل في تفسير المثال، وينسى فكرة المقال، ولكنني سأضع وزر مثالٍ يترنح:

كنت أضحك جدا، والضحك بسبب لا أعتقد أن له قرابة بالأدب قلة أو زيادة، المهم كنت أضحك وأنا اقرأ تصريحا لأحدهم يقول أن مجتمعنا الطاهر يرفض السينما،

وفي نفس المصدر خبر عن زحام، وسوق سوداء وتنافس عزّ نظيره للظفر بتذكرة لفيلم بدائي سعودي لا يرقى الى مصاف السينما الحقيقية"مناحي"، بل أدى الى تدخل رجال الأمن لفك الاختناق...

كنت اسأل نفسي اللتي دائما لا تفهم، من هم المجتمع الذي يقصده صاحب التصريح؟ ومن أي كوكب أو مجتمع تقاطر هؤلاء البشر في كل المناطق التي عرض بها هذا العمل؟

- وللمهوسين بالسينما حلة وحرمة هذا المثال دليل للتناقض وليس للتأييد أو الإعتراض-

هذا شاهد واحد فقط من تناقضات نعيشها، ندعي فيها كمالية ونزاهة مجتمع مثخن بجراح المشاكل الاجتماعية، والتي تبحث عن مشرط صادق يقطع أوصال الوهم، ويزيل سرطان الأقنعة التي يلبسها جل مجتمع يفكر في خارجه أكثر من داخله...

إلى متى يظل هذا الوهم يلاحقنا، والتلحف برداء الملائكية يغطي مناطق الورم في مجتمعنا الأغرّ، وحتّام نبقى نردد عبارات خلقت من رحم العدم وترعرعت في فضاء " نحن أفضل خلق الله"؟

ثمة أدواء تنهش لحم مجتمع بحاجة الى عمليات استئصال عدة، والى كمية كبيرة من مطهرات ومعقمات كيماوية حارقة،

ولكن أنى لطبيب أن يعالج مريضا لا يعترف بمرضه،ولا يصرح بدائه، ويظل يتظاهر بالصحة التامة.

إن مريضا كهذا سيكابر على دائه، ولكنه حينا ما سيسقط، وسيكون الداء عم كل الجسد، وربما يسلتزم البتر وما أقساه حينها.

فإلى مزيد من نزع الأقنعة ، والتحرر من النفاق الاجتماعي الصارخ، والخروج الى حدائق التمثيل الذاتي والتصريح بالقناعات المختلفة، لنحيا في جمال الإختلاف لا في وهم الاتفاق والمثالية الزائفة.