ببطء خفض جوناثان نظره تجاه الشق في سرواله،كان بطول اثني عشر سنتمتراً تقريباً،بدايته من أعلى فخده حتى أسفل جيب السروال الأيسر الذي علق،خلال دوران جوناثان، بمسمار ناتئ من المقعد.لم يكن فتقاً في دروز الخياطة،وإنما شق (قفل ومفتاح) في قماش الكاباردين الجميل لسروال الخدمة، نازلاً من الجانب لينحرف بزاوية شبه قائمة إلى الداخل بعرض إصبعين،مشكلاً شقاً كبيراً يرفرف فوقه علم مثلث، ليمكن للعين إلا أن تراه.
شعر جوناثان بالأدرينالين يندفع في دمه،هذه المادة المدغدغة التي قرأ ذات مرة أن الكظر يضخها في الدم بكثرة في أوقات الخطر المحدق وحالات الفزع،لتحفز الحواس والطاقات في الجسم إما للهرب، أو لمواجةٍ مسألة فيها حياة أو موت. بالفعل كان يشعر وكأنه جريح،وأن الشق الذي انفتح بطول اثني عشر سنتمتراً لم يكن في سرواله وحسب،بل في جسده أيضاً ،يتدفق منه دمه وروحه التي مازالت تتابع دورتها المغلقة في داخله...بدا له أنه سوف يموت متأثراً بجرحه إذا لم يتمكن فوراً من معالجته وإغلاقه.وهنا بدأ الأدرينالين يفعل فعله فيه- هو الذي كان يظن أن جرحه سوف ينزف حتى الموت-وأنعشه بطريقة عجيبة.بدأ قلبه يخفق بقوة، وشجاعته تتضخم كما أصبحت أفكاره فجأة صافية وموجهة نحو هدف واحد:عليك أن تبادر إلى فعل شيء ما. صرخ صوت في داخله.عليك إتخاذ خطوة فورية لإغلاق هذا الثقب وإلا فإنك ضائع لا محالة ! وبينما راح يسأل نفسه عما يستطيع عمله، كان الجواب جاهزاً في ذهنه في اللحظة ذاتها-بهذه السرعة يعمل الأدرينالين،هذا العقار الرائع،بهذه السرعة يحفز الخوفُ الذكاء وقوة الشكيمة !-فبحركة سريعة قبض بيده اليمنى على علبة الحليب التي ما يزال يحملها بيده اليسرى، جعدها وكورها ثم رماها بعيداً دونما التفات منه إلى أين استقرت، في الممر الترابي أو على العشب. ضغط بيده اليسرى الفتحة في أعلى فخده وانطلق مسرعاً مصلباً فخده الأيسر قدر الإمكان كي لا تنزلق يده عن الشق،ومحركاً ذراعه اليمنى بتأرجح سريع كما لو أنها مجداف إلى جانبه... بمشيته العرجاء هذه أسرع صاعداً شارع دوسيفر. لم يبق لديه من الوقت إلا أقل من نصف ساعة.
في قسم الأغذية في متجر (بون مارشيه) الواقع على زاوية شارع (دوباك) يوجد خيّاطة. لقد لاحظها منذ أيام قليلة فقط. كانت تجلس قريباً من المدخل،عند منطقة تجمّع عربات التسوق ، وتضع لوحة إعلانية فوق ماكينة الخياطة،ويذكر بالحرف الواحد ما كان مكتوباً عليها (جانين توبيل-تعديل وإصلاح –عناية وسرعة)
هذه المرأة ستساعده إذا لم تكن الآن في استراحة الغداء.لا،إنها ليست في استراحة الغداء،لا،لا، سيكون هذا نحساً فرطاً.هذه الكمية من سوء الحظ لا يمكنه تحملها في يوم واحد.ليس الآن،وهو في هذه الورطة الكبيرة. حين يكون المرء في قنوط شديد،ربما يصادفه الحظ،وربما تأتيه النجدة. السيدة توبيل سوف تكون في مكانها وستساعده حتماً.
كانت السيدة توبيل فعلاً في مكانها ! لقد رآها قرب المدخل تجلس في مكانها وتعمل على ماكينتها.نعم،إن المرء يمكن أن يعتمد على السيدة توبيل،حتى خلال استراحة الغداء كانت تعمل –بعناية وسرعة-هرع باتجاهها راكضاً، وتوقف بجانب آلة الخياطة، رفع يده عن فخده وألقى نظرة سريعة إلى ساعته، كانت تشير إلى الثانية وخمس دقائق.
تنحنح وقال:-سيدتي !