عرفنا إن إبراهيم عليه السلام رحل الي فلسطين ومعه زوجته سارة وابن أخيه لوط وزوجته*.. ‬وأقاموا بها*.. ‬وعندما حدث الجدب قرروا الذهاب الي مصر*.‬
وكانت مصر تحت حكم الهكسوس*.. ‬وقال الرواة أن* »‬سارة*« ‬زوجة الخليل كانت امرأة جميلة،* ‬وكان حاكم الهكسوس يحب النساء،* ‬وعندما جاء ذكر سارة عند حاكم الهكسوس،* ‬وخشي ابراهيم عليه السلام علي نفسه فقال إنها أخته*..!‬
ومهما تعددت الروايات حول* (‬سارة*) ‬فقد عصمها الله،* ‬وأنه أعطي ابراهيم عيه السلام أموالا وماشية كما أهداه هاجر*.‬
وقد قيلت روايات كثيرة حول وجود السيدة* (‬سارة*) ‬في مصر مع زوجها الخليل*.. ‬وما حدث لها مع ملك الهكسوس*.. ‬ولكن نتوقف عند رأي الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وهو يعرض هذه الحادثة في كتاب* (‬نساء تحدث عنهن القرآن*) ‬فهو يحدثنا كيف تحدث القرآن الكريم عن* »‬سارة*«.‬
*»... ‬وشبيه بهذه الآيات الكريمة*« ‬في مدح سيدنا ابراهيم وفي مدح امرأته* (‬سارة*) ‬قوله تعالي في* (‬الذاريات*).‬
*»‬هل أتاك حديث ضيف ابراهيم المكرمين*.. ‬اذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون*. ‬فراغ* ‬إلي أهله فجاء بعجل سمين*. ‬فقر به اليهم قال ألا تأكلون*. ‬فأوجس منهم خيفة،* ‬قالوا لاتخف،* ‬وبشروه بغلام عليم*« ٤٢-٨٢ ‬الذرايات وقد افتتحت هذه القصة هنا بأسلوب الاستفهام،* ‬للاشعار بأهميتها،* ‬وتفخيم شأنها،* ‬وبأنها لا علم بها الا عن طريق الوحي*.‬
والمعني*: ‬أننا*- ‬أيها الرسول الكريم*- ‬نقص عليك جانبا من قصة عبدنا ورسولنا ابراهيم مع ضيوفه من الملائكة،* ‬وقت ان دخلوا عليه فحيوه بالسلام،* ‬فرد عليهم بأحسن من تحيتهم مع عدم معرفتهم،* ‬ومع ذلك فقد أسرع في خفية فقدم لهم طعاما شهيا،* ‬وحثهم علي الأكل منه إلا أنهم لم يأكلوا،* ‬فأضمر في نفسه خفية الخوف منهم،* ‬فقالوا له لاتخف يا ابراهيم وبشروه بغلام له سيولد من امرأته وسيكون كثير العلم،* ‬وهذا الغلام هو اسحاق*- ‬عليه السلام*.‬
ثم يقص القرآن ما كان من* (‬سارة*) ‬امرأة ابراهيم عندما سمعت بهذه البشارة*.. ‬فقال تعالي*: »‬فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم،* ‬قالوا كذلك قال ربك،* ‬انه هو الحكيم العليم*« ‬الذاريات *٩٢-٠٣.‬
أي فأقبلت امرأة ابراهيم*- ‬عليه السلام*- ‬وهي تصيح في تعجب واستغراب من هذه البشري،* ‬فضربت بيدها علي وجهها وقالت*: ‬أنا عجوز عقيم فكيف الد؟*!‬
فقالت الملائكة لها*:‬
لاتتعجبي من أن يكون لك* ‬غلام في هذه السن،* ‬فإن هذا الحكم هو حكم ربك الحكيم في كل أقواله وأفعاله،* ‬العليم بأحوال خلقه وهو*- ‬سبحانه*- ‬اذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون*«.‬
ويقول الدكتور سيد طنطاوي*:‬
ومن الأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في فضل السيدة* (‬سارة*)- ‬رضي الله عنها*- ‬ما جاء في الصحيحين*: »‬من أن سيدنا ابراهيم عندما كان في سفر ومعه زوجته* (‬سارة*) ‬وكانت من أجمل وأحسن الناس،* ‬ووصل إلي أرض بها حاكم ظالم جبار*. ‬قال ابراهيم عليه السلام لامرأته سارة*- ‬إن هذا الجبار إنه يعلم انك امرأتي يغلبني عليك،* ‬فإن سألك فأخبريه انك أختي،* ‬فأنت أختي في الإسلام،* ‬وأنا لا أعلم في هذه الأرض مسلما* ‬غيري وغيرك*.‬
ورأي بعض* ‬أهل ذلك الجبار* (‬سارة*) ‬فذهب اليه وقال له*: ‬لقد قدمت أرضك امرأة لاينبغي ان تكون لغيرك،* ‬فأرسل إليها فأتي بها*.. ‬فقام ابراهيم عليه السلام إلي الصلاة،* ‬فإنما دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده اليها،* ‬فقبضت يده*- ‬أي فشلت يده*- ‬فقال لها*: ‬ادعي الله ان يطلق يدي ولا أضرك ففعلت فعاد فقبضت أشد من القبضة الأولي*.. ‬ثم دعا الذي جاء بها فقال له*: ‬إنك إنما اتيتني بشيطان ولم تأتني بإنسان فأخرجها من أرضي*.. ‬فعادت الي ابراهيم*- ‬عليه السلام*- ‬فلما رآها وانتهي من صلاته قال لها*: ‬ما الخبر؟ فقالت*: ‬كف الله يد الفاجر عني*«.‬
ومن هذه الآيات والأحاديث نري جانبا من فضل السيدة سارة التي منحها الله* -‬تعالي*- ‬العفاف والطهارة،* ‬والرعاية الكريمة لحقوق زوجها،* ‬والحرص علي ما يرضيه،* ‬والسرور لما يسره،* ‬والتأثر الذي يزيد علي تأثر الرجال بما يخالف المألوف فالعادات*. ‬وهذا شأن معظم النساء في كل زمان ومكان،* ‬ويكفي للأدلة علي ذلك قوله تعالي*:‬
*»‬قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب*«.‬
وقوله سبحانه*:‬
*»‬فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم*«.‬
*>>>‬
وحدث أن طلبت* (‬سارة*) ‬من ابراهيم عليه السلام ان يتزوج هاجر،* ‬لعل الله يرزقه الولد،* ‬ولم تكن سارة قد انجبت اسحاق*.. ‬لقد انجبته فيما بعد* ‬غير انه عندما رأت زوجها قد تزوج هاجر،* ‬وانجبت اسماعيل دبت الغيرة في قلبها وطالبته بأن ترحل بعيدا عنها،* ‬فأخذها ابراهيم عليه السلام الي مكان البيت الحرام وتضرع الي ربه قائلا*:‬
*»‬رب اجعل هذا البلد آمنا،* ‬واجنبني وبني ان نعبد الأصنام،* ‬رب انهن اضللن كثيرا من الناس،* ‬فمن تبعني فانه مني،* ‬ومن عصاني فانك* ‬غفور رحيم*«.‬
وقال ابراهيم عليه السلام وهو يتجه الي الله تعالي بكل كيانه*: »‬ربنا اني اسكنت من ذريتي بوادي* ‬غير ذي زرع عند بيتك المحرم،* ‬ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل افئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون*«.‬
وقد سألت السيدة هاجر خليل الرحمن وهي تراه تركها في هذا الخواء مع وليدها الصغير*..‬
*-‬آ الله أمرك بهذا؟
قال* -‬نعم
قالت* -‬اذن لا يضيعنا
وتركها الخليل بعد ان دعا ربه هذا الدعاء العظيم*.. ‬وعندما نفد الماء،* ‬أخذت هاجر تهرول بين الصفا والمروة سبع مرات،* ‬ثم رأت الماء*.. ‬ماء زمزم ينفجر من تحت قدمي طفلها اسماعيل*.‬
وحامت طيور السماء فوق الماء،* ‬ورأت قبيلة* (‬جرهم*) ‬هذه الطيور المحلقة،* ‬وعرفوا أنها لاتحلق إلا عند وجود الماء،* ‬فانتقلوا الي حيث يوجد بئر زمزم*.. ‬وهكذا جاء من الناس من يؤنس وحشة هاجر ووليدها*.‬
*>>>‬
وتمضي خطي الأيام*.. ‬وتمضي السنون*..‬
وابراهيم عليه السلام مشغول بالرسالة وحنينه الجارف الي ابنه اسماعيل*.. ‬ورأي في المنام أنه يذبح ولده اسماعيل*. ‬وصارح خليل الرحمن ابنه اسماعيل*:‬
قال*: ‬يابني إني أري في المنام أني أدبحك فانظر ماذا تري«؟
قال الابن المؤمن الراضي بقضاء ربه*:‬
*»‬يا أبت افعل ما تؤمر،* ‬ستجدني إن شاء الله من الصابرين وعندما قرر خليل الرحمن ذبح ولده امتثالا لأوامر ربه جاءته البشري*:‬
*»‬يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا،* ‬إنا كذلك نجزي المحسنين،* ‬ان هذا لهو البلاء المبين،* ‬وفديناه بذبح عظيم*« ‬لقد افتدي الله اسماعيل* »‬بذبح عظيم*« ‬ونجا اسماعيل عليه السلام،* ‬ورزق ابراهيم الخليل من سارة بابنه اسحاق*.‬
وأخذ خليل الرحمن يدعو الي الوحدانية المطلقة الي الفضائل ومكارم الأخلاق*.. ‬ان الله قد اختاره لهداية البشر*: »‬إني جاعلك للناس إماما*«.‬
وألهمه الله سبحانه وتعالي ان يقيم القواعد من البيت هو وابنه اسماعيل*:‬
*»‬واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل،* ‬ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم،* ‬ربنا واجعلنا مسلمين لك،* ‬ومن ذريتنا امة مسلمة لك،* ‬وارنا مناسكنا،* ‬وتب علينا انك انت التواب الرحيم*. ‬ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم،* ‬انك انت العزيز الحكيم*«. ٧٢١: ٩٢١ ‬البقرة
ويفسر صاحب* »‬صفوة التفاسير*« ‬هذه الآيات بقوله*: »‬واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل*).. ‬أي وأذكر يا محمد ذلك الأمر الغريب وهو رفع الرسولين العظيمين* (‬ابراهيم واسماعيل*) ‬قواعد البيت وقيامهما بوضع اساسه ورفع بنائه وهما يقولان* (‬ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم*) ‬اي يبنيان ويدعوان بهذه الدعوات الكريمة قائلين ياربنا تقبل منا اي اقبل ما عملنا هذا،* ‬واجعله خالصا لوجهك الكريم فانك انت السميع العليم لدعائنا العليم بنياتنا* »‬ربنا واجعلنا مسلمين لك*« ‬اي اجعلنا خاضعين لك منقادين لحكمك*.. »‬ومن ذريتنا امة مسلمة لك*« ‬أي واجعلها من ذريتنا من يسلم وجهه لك ويخضع لعظمتك*.. »‬وأرنا مناسكنا*«.. ‬اي وعلمنا شرائع عبادتك ومناسك حجنا*.‬
*»‬وتب علينا،* ‬انك انت التواب الرحيم*« ‬أي تب علينا وارحمنا فانك عظيم المغفرة،* ‬واسع الرحمة