الثور
لمجدي محمود جعفر
عـــندما دخل السيد المدير كان لم يزل يُعمل مقشته في أرضية الغرفة .. مثيراً ذرات التراب ,
ليتأفّف , ويكـــتم طاقتي أنفه بمنديل , ويستدير قائلاً ,
وهو يصيح بغضب :
_ ياثور .. لماذا لم تنظف الحجرة مبكراً ؟!
التقطــت أذناه الكلمة فاستطالتا , ضيق مابين حاجبيه .. دلّى شفته السفلى الغلية ,
وكــتم بشفته العليا طاقتي أنفه .. وسّع ما بين شدقيه ما استطاع,
كاشفاً عن نابين أسودين مدببين طويلين , وأسنان بنية عريضة بينها فراغات ..
كان المدير قد استدار تماماً هرباً من التراب , معطياً ظهره لباب الغرفة, ويُلوَّح للمدرسين بيديه ,لاعناً القوى العاملة ,
التي تعين المعاقين والمتخلفين تاركةً الأصحاء والأذكياء !!
رمــى المقشة , ودار حول نفسه , لاح له قفا المدير عريضاً , نظيفاً , غمغم ..
ورجع للوراء , وأسند ظهره للحائط , وأغمض عينيه .
ولمـا وصل إلى انف السيد المدير عطر "المدرِّسة " الجميلة معلناً عن وصولها ,
القى المنديل الورقي , وصاح في المدرسين بأن يمضوا إلى الطابور ..
بّللت ابتسامتها من بعيد جفاف قلبه , وأطلق عينيه لتسبحا في فضاء صدرها الرحيب ,
وهيّأ يمناه لتحتضن يُمناها ..
وما أن أقتربت بقوامها الممشوق ,
والتقت عيناها السوداوان بعينيه حتى اضطربت أنفاسه !
_ اصطدمت بصيحتك الغاضبة وأنا أدلف من بوابة المدرسة , فسقط قلبي في جليَّ !!
أشار إلى الغرفة وقال :
_ الثور .. هذا الثور الغبي لم يفرغ من تنظيف الغرفة بعد !
التقطت أذناه الكلمة مرة أخرى فاستطالتا أكثر ,
وتمددتا أكثر ,
وأصبحتا بحجم طبق هوائي !
كــزَّ على أسنانه .. أرخى شفتيه .. غمغم .. هزّ رأسه الكبير يمنَّةً ويسرةً ,
وبينما يد المدير تحتضن يد "المدرسة " الرقيقة الجميلة , أطلق الثور صرخة اهتزّت لها الجدران ,
وقفز بعنف , وبكل ما أوتي من قوة غرس أسنانه في قفا المدير ,
وطرحه أرضاً.