قوله تعالى: {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُطَهَّرَةً} أجمل البينة ثم فصلها فيما بعدها {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً}.
وفي هذا قيل إن البينة هي نفس الرسول في شخصه لما كانوا يعرفونه قبل مجيئه كما في قوله: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] وقوله: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146].
فكأن وجوده صلى الله عليه وسلم بذاته بينة لهم.
ولذا جاء في الآثار الصحيحة أنهم عرفوا يوم مولده بظهور نجم نبي الختان إلى آخر أخباره صلى الله عليه وسلم وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا وكذلك المشركون كانوا يعرفونه عن طريق أهل الكتاب وبما كان متصفا به صلى الله عليه وسلم ومن جميل الصفات كما قالت له خديجة عند بدء الوحي له وفزعه منه كلا والله لن يخزيك الله والله إنك لتحمل الكل وتعين على نوائب الدهر إلى آخره.
وقول عمه أبي طالب: والله ما رأيته لعب مع الصبيان ولا علمت عليه كذبة إلخ وقد لقبوه بالأمين.
وحادثة شق الصدر في رضاعه بل وقيل ذلك في قصة أبيه عبد الله لما تعرضت له المرأة تريده لنفسها فأبى ولما تزوج ودخل بآمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم لقيها بعد ذلك فقالت له: لا حاجة لي بك فقال: وكيف كنت تتعرضين لي؟ فقالت: رأيت نورا في وجهك فأحببت أن يكون لي فلما تزوجت وضعته في آمنة ولم أره فيك الآن فلا حاجة لي فيك.
فكلها دلائل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في شخصه بينة لهم ثم أكرمه الله بالرسالة فكان رسولا يتلو صحفا مطهرة من الأباطيل والزيغ وما لا يليق بالقرآن.
ومما استدل به لذلك قوله تعالى عنه: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:46] فعليه يكون {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} بدل من {الْبَيِّنَةُ} مرفوع على البدلية أو أن البينة ما يأتيهم به الرسول مما يتلوه عليهم من الصحف المطهرة فيها كتب قيمة.