بين تهامتين
علي سعد الموسى
يشتكي لي بعض الإخوة الكرام من حالات انقطاع متكررة للكهرباء في بعض أحياء مدينة صامطة في منطقة جازان ظناً منهم أن ما يحصل لهم حالة فريدة. لم أتعود الكتابة عن مثل هذه الهموم اليومية في حياة المواطن لسبب بسيط: لأنني أظن أن مثل هذا الإهمال الذي يشل الخدمات العامة، ومن بينها الكهرباء، أصبح بالنسبة لنا عادة لا بد أن نتكيف معها سواء كنا مشتركين في الخدمات أو جهة مقدمة لها. ارفعوا سماعة الهاتف واتصلوا بخدمات الطوارئ والأعطال لتجدوا أن الإخوة الكرام على الطرف الآخر قد رفعوا سماعة الهاتف على طرف الطاولة هذا إن كان هناك خط مباشر للأعطال والحوادث. السبب الآخر لإحجامي عن الكتابة في مثل هذه المواضيع ليس إلا كراهيتي للنفخ في القرب المثقوبة. المشكلة أن الجمهور يظن أن هذه الهموم اليومية ستزول بمجرد مقال فيما المسؤول الأكبر عن هذا القطاع، على سبيل المثال، يقرأ مثلنا هذا المقال مثلما قرأ في نفس هذه الصحيفة، وربما غيرها، معاناة المواطنين اليومية مع خدمات يدفعون فواتيرها مع نهاية كل فترة. يقرؤها وهو ينعم بالرطوبة الباردة تحت مكيف مركزي في مكتب أثير. أنا هنا لا أقول إن مسؤولي الجهاز قرب منفوخة، أكرم الله وأعز القرب، ولكنني أقول إن نفخنا لن يثمر ولنا مع النفخ أكثر من تجربة.
هؤلاء إخوتي في صامطة، وفي كل ـ الصوامط ـ الوطنية المماثلة بحاجة إلى ماطور هواء جارف تكون كمية الهواء المنبعثة منه أكبر من الثقب: فإما أن ينفخ هذه القرب حد الاتزان أو أن ـ يشلع ـ الثقب كي تتغير معالم القربة.
ما الذي كان سيحدث لو أن العزيزة ـ صامطة ـ كانت مدينة أمريكية في قلب تهامة فرجينيا وتكرر بها الحال في انقطاع هذه الخدمة بشكل يومي؟ كان من المؤكد أن جون هروبي أو جيمس عريشي سيرفع دعوى يقاضي بها شركة الكهرباء وسيجد الباب مفتوحاً لمحكمة تجارية متخصصة. كان سيطالب بفواتير الرعاية الصحية التي تكبدها من معاناة والدته الطاعنة في السن مع الحرارة الملتهبة وكان سيدعي أن انقطاع الكهرباء لساعتين في اليوم الواحد كلفه خسائر باهظة في مشوار تجارته الإلكترونية. وبالتأكيد فإن الشركة ستحسب الربح والخسارة مع جون وجيمس الهروبي والعريشي وستضرب أتعاب المحاماة وتتكبد حجم الخسارة الدعائية مع شركات الخدمة المنافسة . كانت ستحاسب كل موظف ، صغر أم كبر، حتى يأخذ الأمر بكل الجدية المطلوبة. ذلك في تهامة أمريكا، أما في تهائمنا وسرواتنا فأجمل عيش رغيد تعيشه الشركات ليس إلا غياب القانون ودفاتر المحاسبة لا بين الزبون والشركات، بل حتى داخل دهاليز الشركات صاحبة الخدمة. للإخوة في صامطة وفي كل الصوامط الوطنية المماثلة: راقبوا مسيرات الموظفين وترقياتهم لتجدوا أنها تزيد ولا تنقص. أعطوني موظفاً واحداً تلقى سؤالاً واحداً عن أسباب الانقطاع المتكرر للخدمة.
الجمعة 28/رجب/1426 هـ