سأتحدث عن نفسي قليلا لأرتاح ربما وربما لأنفض غبار الرتابة
فأنا أكتب عن أشياء كثيرة ولا أشياء ولا أكتب كثيرا عن نفسي
حسنا
أحب أشيائي القديمة وأحتفظ بها دوما ، أعود إليها بين حين وحين
قصيدة مشوهة ، قلم رصاص لم يتبقى فيه رصاص ،! دفاتر يوميات قديمة ، صور ... كم هي كثيرة هذه الصور التي أحتفظ بها
علاقتي مع الصورة قديمة جدا بدأت منذ أن حاولت الاحتفاظ باللحظات الجميلة في جيبي بعد أن مررت بوجهك ذات حلم !
التصوير فن أتقنته قبل أن أدرسه ولكني بعد أن درسته أضعته ، سنتان من عمري قضيتها بين صورة وكاميرا أدرس أجزاء الأخيرة وأتفرس ملامح الأولى - أي الصورة - !
عمري لازال في نيف عقده الثاني ورغم ذلك بدأت أحس بشيخوخة تدب في قلبي ، قلبي الذي أذود عنه بجبن !
تركت عذرية قلبي شامخة إلى أن وصلت إلى وجهك ، كنت أصون عذرية قلبي كي تنتهكها أحرفك ! هيأت لك عذرية قلب بكامل كيانها
تنقلت كثيرا بين المدن وفي النهاية سكنت واحدة وسكنتني أخرى ، ولدت جنوبا وبدأت أكبر شرقا ثم راهقت غربا والان تسحبني الأيام إلى الجنوب لأنضج هناك ! الشمال لا يعنيني ، ولم يمر بحياتي إلا باحثا عن سبيل للخروج مني ! ، البرد الشمالي لا يرحم وأنا وحيد لا أستطيع الدفء وحدي هناك لذلك أبتعد جنوبا قدر الإمكان !
أحب أن أعبر الاخرين بهدوء ، أمشي على أطراف قلبي كـ لص بخاف أن ينكشف أمره
لا أريد أن أترك شيئا مني في أحدهم كي لا أضطر للعودة إليه منكبا على ندمي
أحيانا أترك حاجزا بيني وبين الأشخاص الذين يتسمون بطيبتهم وقد يظن البعض أن هذا شيء من كبر ولكنه في الحقيقة هروب من الفقد ، لا أستطيع أن أحب أحدهم ثم أفقده فجأة ، لم أعود قلبي على الفقد بعد
عندما كنت في الخامسة من عمري فقدت أبي ، لم أبكي يومها ولكني انكمشت إلى عزلتي وحرقتي وبرودة أصابعي ، عندما أتوا بجنازة أبي إلينا وأمروني أن أقبله قبل أن يذهبوا به إلى المقبرة رفضت وخرجت ، لا أستطيع أن أقبل أبي قبلة وداع وأنا أعلم أن العلاقة بيني وبينه أكثر من موت أو حياة ، كنا نحيا حياة مستقلة ... أبي وأنا
لذلك خرجت راكضا إلى المقبرة ، وقفت على السور وأشهدت الموتى جميعهم أني سألحق بأبي عندما أكبر وأصبح قادرا على الموت ! الموتى وحدهم يحتفظون بقدسية الوعد في قبورهم
في العام الماضي أحسست بأني أكثر قوة وأكبر مما مضى ، كنت أشعر أن الموت أصبح شيئا يناسبني ، مات أخي الذي يكبرني ومات معه زوجه وطفلته التي لم تتعدى الشهر الثالث من عمرها ... عندها عرفت بأن الموت لا يناسبني بعد ، لأن الموت لا يوجع الأموات ، الموت يوجع الأحياء كما يقول أحدهم ، يجب أن يموت قبلي أكثر من حبيب حتى أعرف أن الموت يناسبني
لا أدري لماذا تراودني اليوم رائحة الموت وتغريني أحاديث المقابر ، أحيانا أشعر أن انتمائي إلى ذلك العالم الذي صمت فجأة ليتحدث بصمته ، إلى المقابر ورفات الأنقياء ، إلى الكفن الأبيض ، صرخة هول القبر تغريبي ولكنها لم تراودني بعد !
ماذا عني أيضا ؟
القراءة
لعنة هو هذا الشيء المسمى قراءة ، أحب رائحة قهوتي المرة التي أعدها صباحا وأحب صوت فيروز يملأ صباحي وأنا أقرأ ، هذه الطقوس لازمتني منذ أن قرأت أول مرة
ولازالت تحاول على أن تبقيني كما أنا ، رغم أن الكتابة أصبحت مهمة كجزء من أكل عيشي ورزقي إلا أنني لا أتخيل هذه الحياة بلا قراءة ، القراءة تجعل هذه الحياة قابلة للمكوث للتنفس للسعادة ولممارسة العيش كـ بشري سوي !
التنزة ما بين سطر وسطر كطير لا يهمه الاحتباس الحراري ولا نووية ايران ، لا يهتم لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ولا يقيم وزنا للاقتصاد المنهار
السقوط من مهد الحرف إلى قبر الكلمة والمكوث طويلا على أطلال قصيدة
أو حتى التفوه بكلمات شاذة لا يفهمها غيري أمور مغرية تجعل شهية يومي للساعات نهمة !
ماذا عني أيضا
لا شيء !