ليلَةٌ مُتَوَجِعَة...!
ثُـقِبَ رَحِمُهَا بِمِسْمَارِ ذَاكِرَةٍ غَورَقَهَا نَحِيبُ أَمَلٍ يَرّنُو لِلَمْلَمَةِ
أَطْلالِ مَاضٍ قَضَى نَحَبَهَ في مَوسِمِ هِجْرَةِ البَجَعِ مِنْ بُحَيرَةِ العَطَشْ..
ثُــقِبَ الرَحِمُ ...
فسْتَخَاضَ (عَودَةً)تَزَيَنَتْ بِمَلامِحِ حِيرَتِها حِينَ أَمْسَكَتْ
بِمِعْصَمِي المُرَتَجِفِ كَي تَقْتَادنِي عَبْرَ طَرِيقٍ تَنَكَرَ لأَثَارِ أَقْدَامِي
فَمَحَاهَا مِنْ جَوفِ نَهَمِهِ المُتَقَلبْ..
يآه أوَ لَمْ تَعُدْ تَذْكُرُنِي أَيُهَا الطَرِيقُ وَقَدَمَايَ تَحْتَضِنُ مِنْكَ أَلفَ
شَوكَةٍ وَشَوكَة..!
شَدَّتْ (العَودَةُ) على مِعْصَمِي...!
وَكَأَنَهَا تَرّغَبُ في مُشَاغَلَتِي كَي لا أَتَنَبَهُ لِخَطِيئَةِ وَحْلٍ تَصْفَعُ
مَلامِحَ طَرِيقَ عودَتَنا بِاسْتِخْفَافٍ يَزِيدُ مِنْ تَمَرُغِهِ تَنَكُرَاً لِمَا كان..
تَبَسَمْتُ من فِعْلِهَا..
وأَرْدَفْتُ ابْتِسَامَتِي تَنْهِيدَةً خَرَجَتْ مِنْ صَدْري كَنَفَسِ تَنْورٍ
أَشْعَلَهُ خَبَازُهُ بَعْدَ أنْ مَلأَ بَطْنَهُ بِغَازٍ سَرِيعِ الاشْتِعَالِ فَتَجَشَأَ
التَنْورُ لَهَباً يُبَشِرُ باحْتِرَاقِ كُلَ الخُبْز ...
احْتَرَقْتُ حِينَ لَمْ أَسْطِع على عَدَمِ الانْتِبَاهِ..!
فالوَحْلُ تَسَلَقَ إلى خَاصِرَتِي وَكَأَنْهُ يَشْتَهِي مُرَافَقَتْنَا إلى
حيث نَمْضِي, وكَيْفَ لي أنْ أَتَجَاهَلَ ذلكَ الأَدِيمِ الجَاحِدِ وفي
أحْشَائِهِ نَضْحَاً مِنْ دَمِي, وكيف لي أنْ أُذْهَنَ بِبَشَاعَةِ ما آلَ
إِلَيهِ مِنْ قُبْحٍ فأتَـنَاسَى أنَهُ هوَ ذَاتُهُ كَانَ بِمَثَابَةِ وَرِيدٍ أَسْكُبُ فِيهِ
نَبَضَاتي وَرِئَةٍ تَمْتَلئُ حُوَيْصَلاتُهَا بأَنفَاسي وَقَنِّينَةِ عِطْرٍ تُقَبِلُ
قَعْرَهَا كُلُ نَفْحَةٍ مِنْ نَفَحَاتِي وشَرْبَةِ مَاءٍ عنْ المَاءِ تَكْفِيني, هُنَا
تَنَهَدْتُ حَدَّ الاحِتِرَاق فَلمْ تَزَلْ ذَاكِرَتِي تَجورُ عليَّ بِسَرْدِ
تَفَاصِيلِ مَا كانَ والحَالُ يَجْلِدُنِي مُتَفَرِساً مَا هوَ كائنٌ من فِعلِ
ذَلِكَ الطَرِيق,
وَاصَلْنَا المَسِيرَ على مَضَضٍ والظَلامُ يَزَدَادُ حُلْكَةً بِتَقَدُمِنَا حتى
خُيِلَ لي وَكَأَنِي أَتَجَلْجَلُ في بَطْنِ الأَرْضِ المَنْقُوعِ سَوَادَاً عَتَقَهُ
الدَهَرُ بِتُؤدَة...
وفي غَيَاهِبِ تِلْكَ البُؤرَةِ المُظْلِمَةِ وَقَفَ بِنَا المَسِيرُ على تَلٍ
مُتَزَمْهِرٍ يُشْرِفُ على ذَلِكَ المَاضي السَحِيق...
هُنا رَفَعَتْ (العَودَةُ) يَدَها عن مِعْصَمِي مُجْهِشَةً بِبُكَاءٍ زَادَ مِنْ
هَولِ مَا تَراءى لي أَسْفَلَ التَل...
رُحْمَاكَ يا رب فالمَشَانِقُ تَعُجُ بالمَكانِ ورَائِحَةُ المَوتِ تَتَدَلى مِنْ
جُثَثٍ صُلِبَتْ في مَدَاخِل مَاضِينا الذي سِرْنَا إليه لِلَمْلَمَةِ أطَلالٍ
تُهَدي مِنْ رَوعِ أَمَلِنَا المُنْتَحِب,
وهَا أنا لا أجِدُ مِنْ عَودَتي غيرَ الموتِ ورائِحَتِهِ التي
اغتَالتْ مُنتَحِبَةً رَفَعَتْ يَدَهَا عنْ مِعْصَمِي..
عذراً أيُهَا الأمَل..!
هُنَا أنِــفتْ نَفْسِي مُوَاصًلًةَ الولوجِ إلى ذَلِكَ المَاضي فَمَا مِنْ
طَلَلٍ لَدَيهِ سِوى الموت..!
أقْفَلْتُ عَائِداً وأنا أحْمِلُ جُثْمَانَ عودَتِي وَسَلَكْتُ ذَاتَ الطَرِيقِ
الذي لَمْ أُعِرَهُ أي اهْتِمَام بَعدَما تَراءى لي الموتُ بأم عيْنِي ...
عُدْتُ مِنْ عَودَتي كَتَابوتٍ أُلْقِيَ في اليَمِ وهوَ يَحتَضِنُ جُثَة,
فَهَلُمَّ إلينا أيُهَا الأمل لِنُبْحرَ سَوِيَةً إلى ألا عَودة...!