إنه عبدالعزيز
علي سعد الموسى
منذ خمسة وسبعين عاما، لم يستشعر السعودي أن له يوما وطنيا كان فاصلا في تاريخ الأيام وكان أساسا في بناء المستقبل من العقود والدهور وما هو قادم من غيره من الأيام.
للمرة الأولى تستشعر مدارسنا بالتحديد بمن فيها من الطلاب ومن آبائهم ومعلميهم أن لهم ذات صباح بعيد، شمسا أشرقت على يوم فلم يكن ككل الأيام التي مرت من قبله، مدارسنا التي لم تترك يوما في تاريخ العرب إلا وكتبته على السبورة وخطته في المناهج. مدارسنا التي تمر بكثافة على أيام الخلاف والحروب تمتحن طلابها عن أيام داحس والغبراء ويوم البسوس ويوم سقوط مأرب، ثم تكتفي بعضها - والقليل القليل - منها بكلمة صباح خجولة عن اليوم الوطني تمر كلماتها فوق الشفاه فلا تدخل إلى الآذان ناهيك عن الأفئدة.
يقول جورج رجي في مقال له بصحيفة الأهرام يوم الثالث من سبتمبر الجاري: إن عبدالعزيز في شخصه كان أكبر مشروع للوحدة في تاريخ العرب الحديث وإنه كان وحده - الأنموذج الفريد - في جمع شمل أطياف من التباينات والتناقضات تحت مظلة دولة واحدة، شهادة من كاتب عربي مهاجر إلى الغرب يخص بها صحيفة غير سعودية. إنه يسوق الأنموذج للعبرة ونحن الذين نكتفي لعبد العزيز بقليل من الخطب التي تمر على استحياء وكأن عبدالعزيز لم يمر بنا ولم يأخذ بأيدينا ولم يدخل إلى بيوتنا ولم يكن صانع مستقبلنا، ولم يكن زر الأمن والأمان والخير والمستقبل في وجه زناد الخوف والجوع والشرذمة وقطاع الطرق، وسطوة الأقوياء، وظلم الجغرافيا، ووطأة المناخ. إنه عبدالعزيز الذي لم أقرأ عنه اليوم كتابا واحدا يجمع خصاله الفريدة ويؤرخ له بما يستحق ونحن الذين نمتلك جامعات وأقساما كاملة للتاريخ، لم تترك وثيقة على هذه الأرض إلا وتصدت لها حفظا وتحقيقا و-دكترة - ومناقشة. إنه عبدالعزيز الذي يمر على مناهج طلابنا كما يمر الظاهر بيبرس ويوسف بن تاشفين وملوك الطوائف في أقصى الأندلس. إنه عبدالعزيز الذي نسكت عنه وعن أيامه الوطنية الخالدة تحت وطأة الخوف من التجريم والتحريم وهو الذي جاهد فينا ليجمعنا تحت المظلة الخضراء، ويودعنا كما نحن أقرب أن نكون تحت - المحجة البيضاء - ويؤسس لنا دولة بحجم المسافة من مدريد إلى بودابست ومن أدنبرة إلى روما، إنه عبدالعزيز الذي خضع له الرمل لأنه كان صاحب رسالة، أفلا تتذكره الأفئدة ولو ليوم وحيد بعد خمسة وسبعين عاما من الأيام تشرق بها شمس وتغيب فما زالت شمس عبدالعزيز تشرق فلا تُغيَّب على طفل وشاب وشيخ وامرأة وأسرة وفخذ وقبيلة.