من كتاب : التذوق الأدبي : طبيعته نظرياته مقوماته معاييره وقياسه . الطبعة الثالثة , عمان - الأردن : دار دار المسيرة , 2011
الأدب من الفنون الجميلة , أداته الكلمة , وهو يشترك مع غيره من الفنون في العديد من الخصائص والسمات , ويفترق عنها في سمات أخري , فالفنون الجميلة جميعها تهدف إلي إحداث المتعة , والتأثير في نفس المتلقي , والأدب بوصفه فنًا من هذه الفنون يتفق معها في هذه الغاية , ولكنه يختلف مع بقية الفنون في أن أداته هي الكلمة , والكلمات في مجال الأدب تحمل دلالات متعددة , وحالات متباينة لدى كل متلقٍ لهذا العمل أو ذاك , حيث إن النص الأدبي في جوهره عبارة عن مجموعة من الكلمات التي ترص وتصف بطريقة خاصة , بحيث يعبر المبدع من خلالها عن حالة من حالته الشعورية , أو يعبر عن حالته النفسية .
إن الكلمات في العمل الأدبي أشبه ما تكون بضوء سراج يخرج منه , ويظل يتسلل هذا الضوء حتى يصل إلي نفس القاريء , فيفعل في نفسه الأفاعيل التي قد تتقارب , أو تتباعد مع ما عبر عنه الأديب هذا من ناحية , وقد تتفق أو تختلف الظلال الفنية لهذه الكلمات من قاريء إلي قاريء آخر , ولذلك فالكلمات باعتبارها مادة الأدب وفق هذا المنحي تحمل دلالتين هما : دلالة مباشرة , وهي الدلالة المعجمية للكلمة كما اصطلح عليها أهل اللغة , ودلالة غير مباشرة , وهي المعني الشعوري أو الإيحائي الذي تثيره هذه الكلمات في نفس المتلقي , ولهذا فإن الأدب وفق هذه النظرة يختلف عن بقية الفنون الأخرى , فالنغمة في الموسيقي , والخط واللون في الرسم , والحركة في الرقص تعبر عن حالة واحدة لا تتشعب , بخلاف الكلمات التي ربما يعبر كل صوت منها , وكل حرف من الممكن أن يوجد شعورًا لدى المتلقي يختلف عن الآخر,ولهذا فإنه ينبغي علينا بداية أن نعرج لتعريف هذا الفن توطئة لفهمه فهمًا جيدًا.