من مكونات الطبيعة إلى مكونات البيت
مدونة توثيق التراث الشعبي، المدون (المدون مهدي الجيلاني)
الدومة… أجمل بنات البيئة التهامية
استطلاع وتوثيق : مهدي أحمد الجيلاني
شجر الدوم حضور في الغياب:
عندما أردت الكتابة عن شجرة الدوم والقيام باستطلاع عن هذه الشجرة التي تحضر كثيراً في حياتنا على الأقل في تهامة ..إذا لم يكن في الجزيرة العربية وغيرها من بقاع العالم خاصة تلك البقاع التي تميل بيئاتها إلى الطبيعة الصحراوية.. أصابتني الدهشة لقلة المكتوب عن هذه الشجرة المهمة جداً خاصة فيما يتعلق بالتناولات اليمنية.. حتى الانترنت التي صارت ميداناً يكتب فيه عن كل شيء لم أجد تناولة يمنية واحدة تتعلق بشجر الدوم في اليمن بشكل عام أو أي محافظة من محافظاتها أعني بالذات محافظة الحديدة التي يشكل الاعتماد على شجر الدوم جزءً أساسياً من حياة أهلها.. لم أجد حتى وصفاً لفعالية أو خبر يخص الحرف اليدوية أو التراث الشعبي الذي له صلة بهذه الشجرة التي ارتبط بها الإنسان في هذا المكان على مدى آلاف السنين وما يزال.
وهكذا فقد قررت الإعتماد على نفسي لكي أنجز هذا الإستطلاع والتوثيق المصور.. في البداية كنت أهيىء نفسي لتعب طويل ولكن الصدفة شاءت أن تسهل لي ما أريد فعندما توجهت من صنعاء إلى القناوص كان أخي محمود الجيلاني قد أنجز مجموعة من الصور لورشة عمل ينفذها صندوق الرعاية الإجتماعية من أجل التخفيف من الفقر والورشة تتركز في تمويل الحرف اليدوية المعتمدة على شجرة الدوم.. الأمر الذي سهل لي الحصول على المادة المصورة.
سيحاول هذا الإستطلاع والتوثيق إبراز الدور الكبير الذي تلعبه هذه الشجرة في حياة الناس اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ومكانتها التي لها في المجتمع التهامي الريفي بالذات. وما لهذه الشجر من فوائد متعددة في حياتنا وحياة من يمتهنون الحرف والصناعات التي تعتمد على المادة الخام (الطفي) التي تأتي من هذه الشجرة. والتي تقوم عليها ثلاثمائة وستون نوعاً من الصناعات اليدوية.
وهذه الشجرة في الحقيقة تعد المصدر الأساسي لأرزاق لكثير من الأسر في تهامة .
من جهة أخرى تعد الحرف المرتبطة بشجرة الدوم جزءً مهماً من تراثنا الشعبي الذي يجب الحفاظ عليه وتطويره وإقامة المعارض له في اليمن حيث يمكن أن نقتدي بغيرنا من الدول مثل: السعودية وغيرها من دول الخليج التي جعلت من هذه المهن والحرف أعمال فنية من خلال التشجيع الدعم المتواصل. ومن خلال اعتبارهذه المهن جزءً من الفنون الجميلة التي تقام لها المعارض الكبيرة التي ترعاها الدولة ويفرد لها مكان خاص في المهرجانات الشعبية والفلكلورية.
الدوم في المصادر التاريخية واللغوية:
الدوم: هو شجر المقل,واحدته دومة,ثمرهُ المقل الذي نسميه نحن في تهامة ( البهش) وقد ورد ذكره في الشعر الجاهلي قالطفيل:
أظعن بصحراء الغبيطين أم نخل بدت لك أم دوم بأكمامها حمـلوالظعن:هي الإبل التي عليها الهوادج.
وقد ذكر الدوم في الشعر الإسلامي قال قيس بن الملوح (مجنون ليلى):
أيا شجر الدوم الذي في ظلاله = غزالان مكحولان مؤتلفان
كما ورد ذكر الدوم فيالحديث النبوي روى عبد الله بن حوالة الأزدي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظل دومة.
قال أبو حنيفة: الدومةتعبل وتسمو ولها خوص كخوص النخل,وتخرج أقناء كأقناء النخلة.
والدوم في التعريف العلمي : شجرة منفصيلة النخيل تسمو إلى 20 م, ويتفرع ساقها تفرعا ثنائيا,يصل عدد الأوراق (الجريد) إلى 30 على قمة كل فرع, وهي مروحية الشكل,مفصصة, فصوصها رمحية إلى شريطية, ويحملعنق الورقة (الجريدة) أشواكاً معقوفة إلى أعلى, والأزهار أحادية الجنس والنورة إغريضية، يصل طول الإغريض المذكر إلى 120 سم, وعادة يكون الإغريض المؤنث أقل طولاً -أيأن هناك أشجاراً ذكرية وأشجاراً أنثوية- ويصل طول الثمرة (البهشة) إلى 10 سم وعرضها إلى 8سم, وهي مكورة مضلعة رباعية الزوايا,تؤكل طبقتها الخارجية حتى بعد جفافهاوحملها إلى الأسواق ومكوثها
في المتاجر لسنوات متتالية, وحين الحاجة إلىأكل الطبقة الخارجية الليفية الحلوة فإنه من الضروري طرق السطح الخارجي بأداة صلبة, ثم وضع الثمرة في الماء حتى تلين ثم تؤكل هذه الطبقة بعدذلك.
وينتشر الدوم في الأودية والخبوت الرملية من تهامة, ولا ينمو في الجبال إلا بشكل نادر.. أما في تهامة فهو غابات واسعة .
فوائد الدوم التي لا تنتهي:
ويستفاد من الدوم فوائد كثيرة منها :
1-يتم الاستفادة من سعفه (العسب/ الطفي ) في صناعات يدوية كثيرة منها: ( الحبال بأنواعها, الخزق , البسط , الاجاب بأنواعها, المهاجن, الصدن ,والسجود, المراوح , الظروف بأنواعها , الظلل , المناخل والغرابيل, المعار, والفدايم, والبشايم) ويصنع أيضا من الجريد (مصادن) وهي تعد الآلة التي تستخدم لعمل (السجاجيد ,والمهاجن, والصدن , والخزق) ويتم عمل المصدنة من حيث يتم صقل الجريدتين بالسكين جيداً, ثم يتم ربطهما في طرفيها ببعض وتدرج الوظينة في الوسط ويبدأ التدوير وربط الوظينة بعضها ببعض من خلال علية تسمى عملية التخييط ويستخدم في التخييط عادة برية من الخشب خاصة بهذه العمل.
2-ويتم الاستفادة أيضا من الراتنج (العصارةاللبنية) الناتجة من هذه الشجرة لعلاج النواصير والبواسير وكذلك التقرحاتالتي تصيب الفم, وما زال يستخدم في بعض مناطق الشرق الأوسط, لوقف نزيف الدموعلاج بعض الامراض الجلدية, وتسكين آلام القدم والأرجل.. ويمكناستخدامه في صناعة الأصباغ وتلوين الدهانات ومعاجين الأسنان والجص وصبغالقرون وغيرها.
3-يعد الدوم مكوناً من أهم مكونات البيئة التهامية وهو جزء من شخصية المكان وسمة من سمات المظهر اليومي لإنسان تهامة خاصة في الريف.. ذلك الإنسان الذي سيظهر دائماً وهو يلبس الظلة المصنوعة من الطفي.. كذلك هو جزء من مكونات أدوات وأثاث البيت التهامي.. فالأسرّة (القعادات/ المنابر) والأوعية (الآجاب) بأنواعها (الحيف, المذرى, الحزبة, الجلة, الدول , الظرف , الجهز, السعدية, القنيمة) كذلك الخزق (البسط) والسجاجيد, والحبال المستعملة في البيت الريفي التهامي بأنواعها من (طِوَر, وأرشية , وحبال تحبيل, وحُجز تحميل, وحبال مواسر, وسرات ,وأوشقة, وعقات, وعقل) كذلك أنواع السلال مثل : (الحداق للكدان, والشريب, الجمان, والشواطر) ومثل : (الحدانة للدبية, والسقالة للمحمة والقشوة , الكعدة والمقيلة والمقوبة, والمركن) ومثل : (السقاطي) الذي يعلق في المهوب ويوضع فيه العيش لحفظه من النمل وغيره من الحشرات.. ويصنع من طفي الدوم أيضاً أدوات أخرى مثل: (المطارش/المكانس, والمنافل) كما تصنع منه الوظف (جمع وظفة وهي المقلاع).
***
ضوء في النفق:
وتعتبر مديرية القناوص من أهم مناطق تهامة التي تنتشر فيها الحرف اليدوية القائمة على الإستفادة من الدوم وطفيه, حيث يتشارك الرجال والنساء في صناعة قائمة طويلة من الأدوات التي تعتمد على طفي الدوم , ولذلك فقد نفذ صندوق الرعاية الاجتماعية في منطقة القناوص مطلع عام 2010م, مشروعاً للتخفيف من الفقر يعتمد على دعم وتنشيط الحرف اليدوية التي تعتمد على طفي الدوم .
وقد انخرط في هذا المشروع عدد كبير من النساء من قرى مختلفة في المديرية فأبدعن أيما إبداع في تحويل مادة الطفي الخام إلى تحف فنية رائعة من السجاجيد والظلل والحبال والآجاب والمهاجن والمراوح والصدن, والصور المرفقة تعبر خير تعبير عن هذا الإبداع الذي يحتاج إلى مزيد من الدعم كما يحتاج إلى عناية أكثر بغابات الدوم وتنميتها والحفاظ عليها من الأيدي العابثة.
الرابط (http://mhdy2009.maktoobblog.com/113/)