الكآبة:

هذا الضيف الثقيل الذي لاتدري لمَ اختار أن يقيم عندك أنتَ دون غيرك < طبعاً هذا ماستظنُّه فالمكتئب يعتقد بأنّه البيت المهجور والسقف الذي يخرّ منه الماء , فيطرقون على رأسه بالإسمنت أو الخشب ! >

الضيف الأكول الذي يمضُغ رباطة جأشك ببطءٍ مستفز , ثم يبصقها باستهتار كأنّها علكة , ويراقب سيء الحظ الذي سيدعس عليها (فتنشب في حلقه)!

هي الحشد من الناس الذين يتسلّقون صدرك ويغادرونه دهساً , والتناهيد التي تطلقها فتحمرّ شفتاك من حرارةِ ماتلقى ..

هي طفلٌ تعيس يصرُّ على تحطيم أعصابك ببكاءه , ولاتُجدي معه رضّاعة حليب كمُسكّت للجوع , ولا مشروب كراوية كمضاد للمغص < الذي سيُصيبك فيما بعد وأنت تحاول تدارك الموقف ! >

هي الكفّ التي تقبض على وجهك (لتعفس ملامحه) وترسم الكثير من التعرجات في الحاجبين والشفتين كفلم كارتوني ظريف نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

هناك من ينصحك بكأس ليمون بنعناعٍ وثلج مجروش لأجل رأسك الملغوم, فتجرّب رغم أنه ليس هناك الكثير من الحمقى الذين يفعلونها في شتاءٍ كهذا , ويبحّ صوتك فتدرك أنك أخطأت الاختيار..

فتلجأ للنصيحة التالية : فنجان كابتشينو . وإذ به من فرط حلاوته يكاد يصيبك بتلبّك معوي , فتقرّر أن تُلحقه بقطع بسكويت مالحة تمحو ذاك الشعور الممض .

فإذا وصلت للمرحلة الاخيرة التي ستخبرك أن قطع الشوكلا السوداء تعدّل المزاج , ستحاول الاستمتاع بها بإذابتها في فمك ببطء , محاولاً التصديق بايحاءات علماء الأعصاب , الذين نسوا حتماً أن يخبروك بأنها مُرّة , وأن دواء السُعال أيضاً يرطّب حبالك الصوتية بذات النهج المرير !

هنا ستدير ظهرك وتقول : يادي النيلة وحظي المهبب ..

ثم ستستغفر وتتذكر أنك مازلت متوضئاً, فتلُصق جبهتك المحمّلة بألف شحنة سالبة , بسجادتك , وتغمض عينيك فتنقلب بك سجادتك -الأفقية- رأسياًّ , وترتفع بك كأنّها بساط الريح الخاص بعلاء الدين , فتجد وجهك حينها قد التصق بالسماء , وتغمر قلبك رعشة لاتدري مصدرها , فتقولُ تلك العبارة البارعة التي لم تعرف قائلها بعد: ربّ هب ليَ من رحمتَك / جهة خآمسـة لا تذكرني بـ” وجعـي ..

يارب . يارب . يا …. وقبل أن تحاول إكمالها ثالثةً يتحشرج صوتك , وتغيم عيناك بسحُب التوجّع . فإذا مارفعتَ رأسك أدركتك رحمة الله وغسلتك وطهّرت قلبك..

لذا لاتقل لي أنّك تشعر بالكآبة , وإلا سأُوقفك على حائط المبكى معاقباً وأقفُ معك !

فلا أشدُّ عقاباً من أن تضعف فتجد من هو أضعف منك , ولا أطرف نكتة من أن تترقق في عينيك الحسرة , التي ستستذرف العطف ممن أمامك , فتشرع في إيقاف دموعه – التي تسبّبت بها – فتنهمر مزيداً من … وياللهول !

ستنشغل بقول : ياإلهي ماالذي فعلته , ليتني لم أشكو لك ..

وستنسى نفسك ؛ ولربما كان هذا هو الحلّ الأمثل- ومبتغى الباكي لأجلك في نهاية الأمر P:

لاأراكَ الله ولاأراني بك مكروهاً .