انتشار الفتنة
بقلم : فاطمة الفقيه
لا أعرف ما هي ردة الفعل الصحيحة لمواجهة هذا المد المنحل الذي يتدفق علينا من بعض الفضائيات العربية، مواضيع بدون فكر أو محتوى ثقافي نافع إلا فيما ندر،
طرح بدون أطر أخلاقية ولا حدود ولا قيم ولا أساسيات، فقط أكتاف عارية وأثداء متدفقة تظهر علينا ليل نهار، بمناسبة وبدون مناسبة،
دون حياء أو خجل لتتحدث في كل ما هو غث وكل ما يهم سفلة القوم ورعاعهم.
و بالرغم من أن هذا الطرح المخزي للإعلام المرئي يدّعي التحضر واللحاق بالغرب فهو لا يتقيد بأي مقياس من المقاييس الموجودة في دول العالم المتقدم
فلم أر مثلا في قناة إخبارية أمريكية أو أوروبية مذيعة تستضيف أحد ضحايا المعتقلات والتعذيب وهي ترتدي فستاناً يكشف عن ذراعيها وكتفيها وقد امتلأ وجهها بالأصباغ.
ولا يوجد في حد علمي ومشاهداتي للقنوات الأجنبية أية قناة موجهة للأسرة والطفل تبث إعلاناً ترويجياً للسجائر سوى هذه القنوات،
ولم أر أية قناة لديها أقل المستويات من المصداقية تبث ضمن برامجها ما يروج للخرافات والتخلف تحت مسميات علمية كالطب البديل والعلوم الشرقية،
غير هذه القنوات الساحبة للتخلف والوراء، مما يدل دلالة واضحة على أنها قناة تبث من دول العالم الثالث حتى وإن ارتدت مذيعاتها كل ما قل وشف.
ولكن أكثر ما يثير تعجبي ولا أجد له إجابة مقنعة هو أن أغلبنا حانقا على وضع هذه الفضائيات المتردي، إلا أننا أكثر من يمدهم بما يعينهم على مواصلة فجورهم،
فتارة تقوم إحدى شركاتنا الكبرى برعاية أحد برامج الانحلال بدل أن تنفق جزءاً من أرباحها الهائلة التي تمتصها من أموالنا في بناء مدرسة أو تطوير خدمة عامة لهذا المجتمع،
وتارة أخرى تقيم إحدى مؤسساتنا الحكومية حملة دعائية لتوفير الماء أو الكهرباء خلال تلك القنوات.
أما المشاركة في البرامج والرسائل القصيرة فما ينفق فيها يحيي شعباً كاملاً على وشك مجاعة كشعب مالي المسلم. و الأمرّ من ذلك كله أن لا أحد يتزوج نساءهم العاريات وليست الكاسيات ،
من رجال العالم العربي والخليج بالذات، غير رجالنا الذين درسوا في مدارسنا وأخذوا نفس مقررات الدين لدينا وما أكثرها،
و عندما أتذكر قصة الممثل البريطاني هيو جرانت عندما التقطته عدسات الكاميرا مع بائعة هوى وتناولته الصحف بالنقد والسخرية حتى بات موقع تندر،
وأقارنه ببعض شبابنا وهم يتفاخرون بالاقتران بهؤلاء النسوة أصاب بالعجب.
و بعد كل هذه المشاهدات التي توجع القلب لا أعرف كيف سنجرؤ على توجيه بناتنا الصغيرات لمفاهيم تم سحقها،
من قبل هذه الفضائيات المنحلة، مثل العفة والحياء والحشمة؟
وكيف سنبرر لهن ازدهار الانحلال والدعم الذي يلاقيه من قبلنا؟ فكيف أقنع ابنتي أن شريك العمر يبحث عن المرأة ذات الدين بينما هي ترى وتسمع عمن يسكبون المال كالماء تحت أقدام خضراوات الدمن؟
وكيف أبرر لها لماذا تنكح امرأة بمهر يبلغ الملايين في حين أن نفس المرأة متوفرة للقاصي والداني بأسعار استهلاكية؟
حقيقة أفكر كثيرا وأشعر بالغم عندما أرى سيل الانحطاط والتخلف يتدفق فوق رؤوس أبنائنا وبناتنا المراهقات ونحن نساهم بدعمه واستمراره.
وأحمد الله أنني من الذين وصلوا للنضج والثبات قبل انتشار الفتنة