السلطان ظل الله في الأرض
الخطبة الأولى
22/3/1432هـ
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل لله ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب : 70-71.
أما بعدُ: عباد الله : إن من المعلوم للعقلاء, أن الناس لا تنتظم حياتهم ولا تأمن سبلهم إلا بحاكم يسوسهم, فإن لم يكن لهم حاكم عمت بهم الفوضى,واستشرى بهم الجهل وانتشر بينهم العدوان,
من أجل ذلك كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن نصب الإمام فرض واجب على المسلمين وهذا بالاتفاق, وإجماع الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على نصب الإمام قبل الإشتغال بدفنه لأكبر دليل وأعظم حجة على أن هذا من أهم الواجبات, وقد جعلها الله سبحانه وتعالى طاعة وقربة ,كما قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
ونصب الإمام من النعم التي يحمد الله عليها, لأن الناس طبعوا على الفوضى وحب التملك والاستئثار, فلو لم يكن عليهم سلطان يسوس أمورهم ويردع المعتدي منهم لكانوا مثل وحوش الغاب يأكل القوي الضعيف, وإذا أردت أن تعرف كيف تنتشر الفوضى عند غياب الحاكم, فتأمل في إشارة المرور, كيف تنظم السير, إذا تعطلت رأيت فوضى عارمة وتناحر شديد, كل يريد المرور ويرى أنه له حقآ ويحصل الاختناق الشديد وتسمع البواري من كل مكان وقد يرتقي الأمر إلى السباب والشتام والضرب حتى يأتي شرطي المرور فيحتاج إلى وقت لتنظيم هذا السير وفك هذا الاشتباك, فإذا كان هذا في إشارة مرور, فكيف ببلد فيه الملايين من البشر ولا سلطان فيها يحكم أمرها وينصف أصحاب الحقوق ويمنع المظالم وينظم أحوال الناس في معايشهم, فإذا وجد الحاكم صلحت حياة البشر وانتظمت مسالكهم و تحقق آمالهم وأهدافهم وبذلك تعلم أيها المسلم شمولية الإسلام ورحمته بأبنائه ودقته فحمدا لله عليه,
أن وجود الحاكم نعمة عظمى للناس, فإن كان برآ مطيعا فهي السعادة التامة, وإن كان فاجرا فما يصلح الله به أكثر من أن يفسد ويكفي أنه يحقن دماء المسلمين,,,,, ولذلك قال عمرو بن العاص رضي الله عنه سلطان عادل خير من مطر وابل وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم
وتأمل في فقه الصحابة الأطهار وسلف الأمة الأبرار الذين أوتوا العلم كيف عرفوا الأمر حق المعرفة فقدروا له قدره,,,,,
قال علي رضي الله عنه وأرضاه لا يصلح الناس إلا أمير بر كان أو فاجر, قالوا: يا أمير المؤمنين هذا البر فكيف الفاجر؟ قال: أن الفاجر يأمن الله عز وجل به السبل ويجاهد به العدو ويجئ به الفئ وتقام به الحدود ويحج به البيت ويعبد الله به المسلم آمنا حتى يأتيه الأجل ) قال الإمام عبدا لله بن المبارك رحمه الله) لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهبا لأقوانا ), لله درهم ما أفقهم
وقال الطرطوشي رحمه الله: في قوله تعالى ) ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ( قال: لولا أن الله تعالى أقام السلطان في الأرض يدفع القوي عن الضعيف وينصف المظلوم من ظالمه لتواثب الناس بعضهم على بعض
ومن تأمل هذه النصوص, علم فقه السلف وعلم حكمة الله العظيمة في أن يجعل للناس إماما يسوسهم, وأوجب عليهم طاعته فكل ذلك يعود عليهم بالمصلحة وحفظ الأنفس والأموال والأعراض, ولولا ذلك لم ينتظم لهم حال ولن يستقر لهم قرار فتفسد الأرض ومن عليها وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (السلطان ظل الله في الأرض، من أكرمه أكرمه الله ومن أهانه, أهانه الله )), قال أهل العلم كما أن الظل يلجأ إليه من الحر والشده فكذلك السلطان يأوي إليه الضعيف وبه ينتصر المظلوم, فإن الظلم له وهج وحر يحرق الأجواف ويضمئ الأكباد, فإذا أوى إلى سلطان سكنت نفسه وارتاحت في ظل عدله, ومن أكرم سلطان الله في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة, قال الحسن البصري رحمه الله في الأمراء) هم يلون منا أمورا خمسا الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود, والله لا يستقيم الأمر إلا بهم وإن جاروا أو ظلموا والله لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون )ولذا من الواجب على الرعية توقير حاكمهم المسلم طاعة لله ورسوله, واعتراف بفضله عليهم في تأمين معايشهم وسبلهم
قال النبي صلى الله عليه وسلم( من أهان سلطان الله أهانه الله )),,,, ولما خرج أبو ذر إلى الربذه, لقيه ركب من أهل الفتن فقالوا: يا أبا ذر قد بلغنا الذي صنع بك فاعقد لواء يأتيك رجال ما شئت, قال(مهلا يا أهل الإسلام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) ( سيكون بعدي سلطان فأعزوه, من ألتمس ذله ثغر تغرة في الإسلام لم يقبل منه توبة حتى يعيدها كما كانت، رضي الله عنه وأرضاه, ما أراد دنيا ولا زاحم عليها كما يفعل كثير من أبناء هذا الزمان الذين لو عرضوا عليهم هذا العرض لتسابقوا إليه واغتروا به ورأوا فرصة لتحقيق دنياهم بدمار غيرهم ودينه ولذلك كلما تجرأ الناس على الحاكم أختل الأمن وتزعزع الهدوء, وقديما قيل (الملك هيبة)
واعلم أن مما ينبغي للسلطان على رعيته الدعاء له وهذا من علامات السني المتبع لهدي النبي صلى الله عليه وسلم, يقول الإمام البربهاري رحمه الله) إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فأعلم أنه صاحب هوى, وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فأعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله ), وقال الإمام أحمد : (لو أني أعلم أن لي دعوة مستجابة لا ادخرتها للسلطان ) وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ) لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا للإمام, قيل وكيف ذلك يا أبى علي؟ قال: متى صيرتها لنفسي لم يتجاوزني نفعها ، ومتى صيرتها إلى الإمام عمت الإمام وغيره من المسلمين , فصلاح الإمام صلاح البلاد والعباد, فقبل الإمام عبدالله بن المبارك جبهته, وقال: يا معلم الخير من يحسن هذا غيرك .
فاتقوا الله عباد الله وليكن بينكم وبين الحكام روابط وصلات والصبر عليهم فإن بقاءهم فيه الخير للعباد والبلاد وما خرج قوم على حاكمهم إلا حصلت فتنة لم يستطيعوا تجاوزها في القريب
ولكن يجب على الحكام أيضا أن يقدروا أبناء الشعوب ويحترموهم ويقسطوا ويعدلوا بينهم
حتى تشيع روح المحبة والصفاء بين الحاكم والمحكوم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} (58) سورة النساء
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وارجوه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد
عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلن فإن تقوى الله أمان من الشرور والفساد والفتن وهي النجاة في الدنيا والآخرة من كل الشرور والمحن .
عباد الله : بالأمس خرجت المملكة عن بكرة أبيها مالئة الكون بالهتاف والأعلام والنشيد والدعاء لاستقبال ولي أمرها ورائد نهضتها وحامي حماها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله وقد عجب الناس من هذا الخروج الكبير ووازنوا بينه وبين ما ظهر في كثير من الشعوب من الخروج ورفع الأعلام والتجمع ونحو ذلك فوجدوا الفرق واسعا والبون شاسعا
وشتان ما بين الخروجين خروج يطالب بإزاحة رئيس الدولة منشقون ومتظاهرون عليه
وخروج يرحبون ويهتفون بل ويقبلون أيادي والدنا ومليكنا وراعي نهضتنا الصغير والكبير كلهم يلهج بلسان واحد الحمد لله على سلامتك يا بابا عبد الله
الله أكبر إنها صفحات مشرقة بواجب الولاء والحب والسمع والطاعة لولاة أمرنا وما جاء هذا الحب إلا تجسيدا و استجابة لحب ولاة أمرنا لنا ، كم مرة سمعنا عبارة والدنا العظيم خادم الحرمين الشريفين وهو يقول (مادام أنتم بخير أنا بخير ) الله أكبر إنها العلاقة الحميمة بين الحاكم والمحكوم إنه الحب المتبادل بين الشعب وولي أمره حاكم عادل محب لشعبه يسعى لإسعاده بكل ما أوتي ، وشعب وفي مخلص يحب الحاكم ويبذل كل ما يملك من أجل سلامته وبقائه .
فنحمد الله تعالى الذي أخرجنا في خير أمة وولى علينا خير الحكام وعلى رأسهم هذا القائد العظيم هذا الحاكم المسلم الصالح الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي نحبه ويحبنا ونقدره ويقدرنا ونعتقد ونكن الولاء له بعد الله ويكن الخير والسعادة والسرور لنا
أسأل الله تعالى أن يديم حكمه وأن يمن عليه بالصحة والعافية إنه ولي ذلك والقادر عليه .
ثم اعلموا رحمكم الله تعالى أن ربكم المولى جل وعلا قد أمركم بالصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى فقال جل من قائل { إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } وقد قال صلى الله عليه وسلم (من صل علي صلاة واحدة صل الله عليه بها عشرا) اللهم صل وسلم وبارك على خير خلقك وخاتم رسلك سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الرحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين .
اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم وفق إمامنا وقائدنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى وخذ بناصيته وناصية ولي عهده والنائب الثاني للبر والتقوى اللهم أرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه يا رب العالمين
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم نور على أهل القبور من المؤمنين قبورهم ، اللهم واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم ، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضى المسلمين ، واكتب الصحة والعافية والسلامة والتوفيق والهداية لنا ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين.
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنى والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين .
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا ، إن الله يعلم ما تصنعون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
هادي محسن مدخلي
إمام وخطيب جامع الشيخ حافظ الحكمي بصامطة