دور الصحافة والطباعة في تطور النثر:

کانت للصحافة تأثير کبير في حرکة التطور. ولئن کانت في المرحلة الأولی وسيلة السلطة فحسب، فقد غدت، فيما بعد، محرضا وباعثا علی النهضة والتطور. وقد کانت تضم مقالات أدبية أو اجتماعية أو علمية، يفيد منها القراء. وأول من فکر في إنشاء صحيفة، نابليون، الذي أمر بإصدار ثلاث صحف، اثنتين بالفرنسية وواحدة بالعربية. ثم أنشأ محمد علي باشا جريدة رسمية باسم السلطة. وللسوريين واللبنانيين سهم کبير في إصدار عدد ضخم من الصحف والمجلات کالأهرام والمقتطف والمقطم والهلال. [34] وکانت الصحافة هي التي عادت بالکتابة الأدبية إلی أصالتها من حيث کونها خلصتها من التصنع والزخرف ورجعت بها إلی الوضوح ودقة التعبير وطوعتها من جديد للتعبير السمح عن خطرات التفکير ومشاعر الوجدان. [35]

«ففي حقل الصحافة استطاعت الصحف الاسلامية والوطنية أن تصل إلی طبقات کاملة من القراء». [36] وازدهار الصحافة کان نتيجة نمو الحرکات السياسية والاصلاحية واستعلاء الوعي القومي من ناحية والوعي الديني من ناحية أخری. فأصبحت الصحف منابر لتلك الحرکات والمنظمات التي تمثل مختلف الدعوات والمواقف الايديولوجية. وکان القصد عند هؤلاء وأولئك التأثير في الرأي العام والتعبير عن قضاياه. وبذلك يکون ظهور فن المقالة نتيجة من نتائج هذه العوامل کلها، من ظهور الصحافة، وظهور الرأي العام، وظهور الحرکات السياسية والاصلاحية. فعاد الأدب إلی الحياة مرة أخری يعبر عن قضاياه ومنازعها.

«وقد کان لمحمد عبده أثر کبير في نهضة الصحافة في أواخر القرن التاسع عشر، وهو الذي تولی العمل في الوقائع المصرية». [37] وکان للطباعة أيضاً أثر کبير في تطور النثر و «ما کان للنهضة أن تحدث لولا الطباعة، فهي وسيلة النشر الأولی، في عصر يتسم بالتطور السريع، والحاجة إلی الکتاب والصحيفة والمجلة». [38] «کان لازدياد المطابع، والرغبة الأکيدة في طلب المعرفة أن زادت حرکة إحياء التراث العربي، فطبعت أمهات الکتب العربية: الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني، و العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسی …». [39] وفي البلاد العربية کان السبق للبنان في استعمال المطبعة. [40]