اليوم الجمعة 6/4/1432هـ تنشر لي جريدة المدينة المقال التالي :
تقوم المواجهة بحل الكثير من الإشكالات بين طرفين، بشرط أن تكون مقترنة بالشجاعة التي هي عبارة عن تقاطع الصراحة مع الصدق، والاعتراف والإقرار بالحقائق، وعدم إنكار ونفي ما ثبت بالدليل والبرهان، فإن افتقدت لشيء من ذلك ضعفت وهزلت وذهب مرجوها، وإن تمت شروطها، واكتملت أركانها أدّت ما عليها. يدّعي بعضنا المواجهة وتأتي منه المبادرة، لكنه لا يستوفي أركانها ولا يعطيها حقّها.
نحتاج المواجهة ليس فقط لنبدي أسفنا على ما بدر منا من أخطاء، أو ما فعله بعض الناس من ذوي القلوب المريضة من وشايات، إنما نحتاجها قبل ذلك لنعترف بكل الحقائق حتى وإن كان الاعتراف بها صعبًا جدًّا، أحيانًا يُقسم البعض أنه لم يفعل، بينما الواقع المثبت يقول غير ذلك، فأي مواجهة ننشد بالله مع من يستهين بالأيمان، ويتّخذها مخرجًا له..؟!
إن حبل الكذب قصير جدًّا، وهو غير آمن أبدًا، فقد يخيب أمل مَن تمسك به، فينقطع ويوقع صاحبه في وقت حرج جدًّا شر وقعة ما لها من قرار، بينما حبل الصدق وقول الحق هما طوق النجاة الوحيد الذي قد يوصلنا إلى بر الأمان. وأحيانًا تصعب المواجهة فيتبرع أحد الناس ليقوم بدور الطاولة التي تجمع بين الطرفين، قد ينجح هذا الشخص إن كان حكيمًا في جر الطرفين وجمعهما على الطاولة، وتقريب وجهات النظر، ومن ثم حل الإشكال نهائيًّا، ولكن المصيبة عندما يقوم مَن هو غير مؤهل بمثل هذا الدور الحيوي، وهنا تكون الطاولة أفضل بكثير من هذا الجاهل.
أحيانًا وإمعانًا في النذالة والدناءة يأتي الواشي الذي يدمن ممارسة الوشاية ليقوم بإصلاح ذات البين ليُكمل مشروع التخريب الذي بدأه في الخفاء مستترًا برداء الإصلاح، وهو يجمع إلى وشايته هذه سفاهة عظمى، فيجتمع بأحد الطرفين من تلقاء نفسه، ودون أن يطلب منه أحد ذلك، فترى الشيطان رأي العين وهو يدّعي النصح ظلمًا وزورًا، ثم يخرج من اجتماعاته الشيطانية ليصب ما تبقّى من الزيت الذي صب كثيرًا منه في المرة الأولى، وفاضت لديه كمية كافية لإشعال نار الفتنة وقتًا طويلاً لتخلو له الساحة، وليلعب كما يشاء، والحياة ليست في حاجة لسلوك هذا الطريق المشين القذر، فهناك طرق واضحة ونظيفة يستطيع أيّ منا العبور منها في رابعة النهار، وعلى مرأى الناس أجمعين، ما دامت الأهداف والغايات نظيفة وشريفة.
ما رأيكم في شخص يمارس دور إصلاح ذات البين بين شخصين، ثم يخرج مخاصمًا أحد الطرفين، منحازًا لغاياته، وما كان يسعى له. إن مثل هذا أحمق بلغ من الحمق مبلغًا ما سبقه أحد إليه، إن إصلاح ذات البين يتطلب رجلاً حكيمًا صبورًا محتسبًا يستطيع أن ينهي الأزمات، ويفتت المشكلات، ويستطيع أن يصبر على ما يصيبه من أذى مخلصًا النيّة لربه، فالأجر إن صفت النية عظيم.
استمعت ذات مرة لمحاضرة جميلة عن إصلاح ذات البين للشيخ سعد بن عبدالله العتيق تناول فيها هذا الموضوع من كل الزوايا، وأنصح من أراد القيام بهذا العمل العظيم أن يستمع إليها جيدًا قبل وبعد انتهاء مهمته، ليضع نفسه بعدها في المكان الصحيح.
محسن موسى طوهري - جازان
http://www.al-madina.com/node/292680