العيد . . فلسفة ومعاني إنسانية
عموم الفرحة في العيد
العيد هو استثناء من المعتاد فأيامه تحظي بطعم ولون ورائحة خاصة تثير الحواس فتبعث لدي الوجدان نشوي من نوع خاص.. إنها نشوي الفرح العارم الغامر.. وهو فرح شبه إجباري.. أي مفروض علينا الفرح.. فالفرح حق مشروع.. الفرح ضرورة.. الفرح هو سر تشبث الانسان بالحياة ورغبته في الخلود.. إذن تأتي علينا الاعياد لتعزز وتؤكد رغبتنا في الحياة وحبنا لها واستمتاعنا بها.. نحن نعرف أنها حياة مؤقتة.. ونعرف أننا سنموت.. ولكننا نعيش الحياة حتي النخاع ولنا فيها مصادر للمتعة بالرغم من وجود مصادر الألم أيضا.. وقد تكون المتعة أحيانا هي الاستثناء مثلما الاعياد هي الاستثناء, ولكننا رغم ذلك نحب الحياة ونرغب في الاستمرار..
** ولولا حبنا للحياة لما سعينا واجتهدنا.. فالحب يبعث علي الحماس.. والحماس يبعث علي الحركة وفي الحركة بركة أي بناء وعمران واختراع وإبداع وتجميل وتجويد..
** إذن الأصل في الحياة هو حب الحياة.. وهذا هو السر الأعظم في عملية الخلق.. سبحانه وتعالي خلق الانسان بآليات عقلية تستوعب بصورة كلية معني الحياة فلا تري تناقضا في الاضداد ولا يستعصي عليها فهم أهمية الألم والحزن والكدر والكبد والمعاناة في هذه الحياة وأن ذلك لا ينقص من جمال الحياة, ولا يقلل حبنا لها لأنه علي الجانب الآخر توجد مستوجبات السرور والمتعة علي المستويين المادي والمعنوي.. فعلي المستوي المادي الطعام والشراب والجنس والنوم والاسترخاء والراحة, وعلي المستوي المعنوي حب إنسان آخر واخلاصه وصداقة انسان آخر ووفاؤه, والقدرة علي العمل والإبداع وان تكون ذا نفع للآخرين ومصدرا للخير والرحمة وأن تستمتع بالموسيقي والغناء والشعر وشتي صنوف الفنون والآداب, وان تستمع بلون الزهور ودقة تكوينها ورائحة البحر وسريان النهر وبزوغ الفجر..
** و فوق كل ذلك قبله وبعده تستمتع بان وجدانك وعقلك بل وأيضا شيء باطني بعيد عن النهج العلمي في التفكير قد هداك إلي وجود الله خالق كل شيء.. الأحد.. الصمد.. الحكيم.. الخبير.. العليم.. الرحمن.. الرحيم.. إن باطنك هو الذي عرف الطريق الي الله وهو الذي هداك الي استيعاب معني اسمائه الحسني.. وتلك هي الفرحة الكبري.. وفهم الحياة.. وإدراك المعني.. وإدراك الجمال.. والحب الي حد العشق لهذه الحياة والتي خلقها الله من أجلك أيها الانسان..
** من أجل ذلك جعل الله لنا الأعياد.. إنها محطات للتزويد بالطاقة.. لشحن الفرح.. لتفريغ الهموم.. لنسيان الألم.. انها مناسبة للضحك واللهو والتسالي والترفيه.. إنها خروج عن المألوف وكسر للمعتاد.. ولذا يجب ان نغني.. سواء بصوت مسموع أو في سرائرنا.. نغني أهلا بالعيد.. ونغني ياليلة العيد أنستينا.. ونغني الليلة عيد علي الدنيا سعيد.. والغناء الجماعي يزيد من حجم السرور.. وهو مناسبة للتجمعات الأسرية.. ولقاء الأصدقاء.. لا عيد بدون الآخرين.. بل العيد هو الآخرون.. العيد هو نحن جميعا وقلوبنا مجتمعة وليست شتي..
** ومن شدة الفرحة نتسامح ونتنازل ونتودد ونتبسط ونسهل ونتواضع فنتزاور, وندلل أطفالنا ونخفف من الانضباط وننفحهم المال( العيدية) والملابس الجديدة.. لا عيد بدون ملابس جديدة..
** ورقة الاحساس تكون ملازمة لفرحة العيد فنتعاطف.. ولذا فزكاة العيد هي ركن أساسي في العيد.. وهناك من يهبون أضعاف أضعاف ما هو مقرر شرعا من الزكاة.. إنه حب الخير الذي يعمر كثيرا من القلوب التي تستشعر آلام الآخرين واحتياجهم فلا يفرحون إلا إذا عمت الفرحة.. فلا عيد إلا إذا عمت الفرحة.. وهذا هو المغزي الأعمق للعيد..
-------------------------
* المصدر : الاهرام