هل تذكـرُ ـ يا صديقي ـ يوم جـُـزنا بمقبرة الدَحدَاح ونحن طفلان يتيمان
في طـَــريقـنا إلـى المنزلين الصغيرين المتجـاورين في " السـمــّانة "
فوقفنا ساعة ً على القبرين المتدانين نزور أبوينا.. ثم ذهبنا مسرعين
لنـُـودعَ آلامنا صدر الأم؟ أتذكر ما قلتَ لي يومئذ عن حبك أمك وتعلقك
بها، وما قلتُ لك؟
أتذكر أننا اتـفـقـنـا على أنّ الحياة مُستحيلة عـَـلينا بعد الأمهات، وأنـَـنا
سنبقى معهن أبداً وشملنا جميع وعـقـدنا متصل ؟
لـقـَـد كان ما ظـنـناه مستحـيلاً.
لـقـد ماتـت أمـي وأمـك واحـتواهما ذلك القبر الذي حوى أبوينا من قبل .
وعِـشنا بـَـعـدَهُما ..
لم نـعــد نـمـلـكُ مِـنـهـُـما إلا دموعاً حرىّ في العين،
وحسراتٍ لاذعاتٍ في القلب..ـ لقد غـَابتا إلى الأبد !
"عـَلي الطـنطاوي " 1938م
كتابه (من حديث النفس) ص35