لماذا قصرت ثوبي ؟
لأن تلك هي صفة المؤمن كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: { إزرةُ المؤمن على نصف الساق } ثم قال بعد ذلك: { ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين } [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني ]. ومعنى قوله: { لا جناح } أي: لا إثم.
لأن في تقصيره تقوى الله سبحان وتعالى، وبُعدًا عن أسباب الكِبر التي قد تُفضي إلى غضب ا لله ومقته، فعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة } فقال أبو بكر: إن أحد شِقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، قال: { إنك لست ممن يفعل ذلك خّيلاء } [وراه البخاري]. والشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر كان يتعاهد إزاره، والذي يفعل هذا يكون أبعد الناس عن الكِبر وإلا لما تعاهده، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يتعمد أحدٌ منهم إرخاء ثوبه زاعماً أنه لا يطيله خيلاء، بل الإصرار على إطالة الثوب دالة على التكبر كما يقول ابن العربي رحمه الله، وإلا فما الذي يمنع من رفعه إلى ما فوق الكعبين بقليل، لأجل هذا بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإسبال من المخيلة كما في حديث جابر بن سليم الطويل وفيه: { وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيتَ فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة } [رواه الترمذي وصححه].
ولأن في تقصير الثوب صيانة له من الوسخ والنجاسات ، ورحم الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يحتضر وعندما رأى شاباً ممن جاءوا يعودونه وقد كان إزاره يمسُّ الأرض فقال له: { إرفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربّك } [رواه البخاري]. وهذا يدلك على أهميه هذا الشأن عند المتقين، فالذي يسمع هذا من عمر ويقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار }. وحديث أبي ذر أن رسول الله قال: { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال أبو ذر: خابوا وخسروا، مَن هم يا رسول الله؟ قال المُسبل والمنّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } [رواه مسلم].
إن الذي يقرأ هذه الأحاديث ينبغي عليه أن يخشى الله عز وجل ولا يطيل ثيابه إلى ما أسفل من الكعبين، فإن ذلك إن لم يكن بقصد الخيلاء فقد يكون وسيلة إليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين