قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد :


لماذا جعل آدم آخر المخلوقات ؟!!.


كان أول المخلوقات القلم ليكتب المقادير قبل كونها , وجعل آدم آخر المخلوقات , وفي ذلك حكم :

الأولى : تمهيد الدار قبل الساكن .

الثانية : أنه الغاية التي خلق لأجلها ما سواه من السموات والأرض والشمس والقمر والبحر والبر.

الثالثة : أن أحذق الصناع يختم عمله بأحسنه وغايته كما يبدؤه بأساسه ومبادئه .

الرابعة : أن النفوس متطلعة إلى النهايات والأواخر دائما , ولهذا قال موسى للسحرة أولا

( ألقوا ما أنتم ملقون ) فلما رأى الناس فعلهم تطلعوا إلى ما يأتي بعده .

الخامسة : أن الله سبحانه أخر أفضل الكتب والأنبياء والأمم إلى آخر الزمان , وجعل الآخرة خيرا من

الأولى , والنهايات أكمل من البدايات . فكم بين قول الملك الرسول : اقرأ فيقول ما أنا بقارئ , وبين

قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم).

السادسة : أنه سبحانه جمع ما فرقه العلم في آدم , فهو العالم الصغير وفيه ما في العالم الكبير.

السابعة : أنه خلاصة الوجود وثمرته فناسب أن يكون خلقه بعد الموجودات .

الثامنة : أن من كرامته على خالقه أنه هيأ له مصالحه وحوائجه وآلات معيشته وأسباب حياته , فما

رفع رأسه إلا وذلك حاضر عتيد.

التاسعة : أنه سبحانه أراد أن يظهر شرفه وفضله على سائر المخلوقات فقدمها عليه في الخلق ,

ولهذا قالت الملائكة : ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا . فلما خلق آدم وأمرهم

بالسجود له ظهر فضله وشرفه عليهم بالعلم والمعرفة.فلما وقع في الذنب ظنت الملائكة أن ذلك الفضل

قد نسخ ولم تطلع على عبودية التوبة الكامنة , فلما تاب إلى ربه وأتى بتلك العبودية علمت الملائكة

أن لله في خلقه سرا لا يعمله سواه.

العاشرة : أنه سبحانه لما افتتح خلق هذه العالم بالقلم كان من أحسن المناسبة أن يختمه بخلق

الإنسان , فإن القلم آلة العلم , والإنسان هو العالم , ولهذا أظهر سبحانه فضل آدم على الملائكة بالعلم

الذي خص به دونهم.


انتهى كلامه رحمه الله