الـتــوآضــع ....
التواضع خلق عظيم لا يتصف به إلا ذو علمٍ ودين يقرب ويحبب إليك الناس ويرضي الله عنك فيه فهو معاكسٌ تماماً للكبر والغرور قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً } سورة الإسراء ... وكم نرى كثيراً ونسمع الناس حين نقول لهم لماذا لم تقولي لفلانه أو تلجأي إليها في شأنك فهي الأقدر عليه نجدها تقول لنا فلانة متكبرة شايفة نفسها مستحيل أكلمها ...! أو فلانه رافعة خشمها تتكبر عليا ! وكم نعجب لذلك حين نرى للأسف هذه الفئة من الناس التي عماها الكبر والغرور فلا يروا إلا أنفسهم وكأنهم ليس حالهم كحال عامة الناس ..! لنقف قليلاً مع موقف الحبيب صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحاً جعل يمر بطرقات مكة التي طالما أوذي فيها وإستُهزيء بها كم سمع في طرقاتها يا مجنون ... ساحر .. كاهن .. كذاب وهو اليوم يدخلها قائداً عزيزاً ممكناً قد أذل الله أهلها الكفار بين يديه فكيف شعوره وهو يدخلها ؟! قال عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما : لما وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ( ذي طوى ) وقف على راحلته معتجراً بقطعة بُردٍ حمراء وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى إن عثنونه ( طرف لحيته ) ليكاد يمس واسطة الرحل وقال أنس رضي الله عنه : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعاً وقال إبن مسعود : أقبل رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه في شيء فأخذته الرعدة فقال صلى الله عليه وسلم : هون عليك فإنما أنا إبن امرأة من قريش تأكل القديد ( اللحم المجفف ) وكان صلى الله عليه وسلم يقول : أجلس كما يجلس العبد وآكل كما يأكل العبد ... وهذا رسول الله أكرم الخلق ....
ولنقف أيظاً على مواقف الصحابة الكرام وكيف كانوا مع الفقير والغني والضعيف سوآء فلم يكونوا يفرقوا بين هذا وذاك وكيف أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه حملَ الدقيق على ظهره وذهب به إلى بيت إمرأة لا تجد طعاماً لأطفالها اليتامى وأشعل النار وظل ينفخ فيه حتى نضج الطعام ولم ينصرف حتى أكلوا الأطفال وشبعوا .... وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يحلب الغنم لبعض فتيات المدينة فلما تولى الخلافة قالت الفتيات : لقد أصبح الآن خليفة ولن يحلب لنا , ولكنه لم يفعل ذلك ولم يتوقف عن مساعدتهن بل إستمر في حلب الغنم لهم حتى بعد الخلافة ولم يتغير بسبب منصبه الجديد .....
وكان أيظاً رضي الله عنه : يذهب إلى كوخ إمرأة عجوز فقيرة فيكنس لها كوخها وينظفه , ويعد لها طعامها ويقضي حاجتها ... ومرة وقد خرج رضي الله عنه يودع جيش المسلمين الذي سيحارب الروم بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنه , وكان أسامة راكباً والخليفة أبو بكر يمشي , فقال له أسامة : يا خليفة رسول الله لتركبنَّ أو لأنزلن فقال له أبو بكر : والله لا أركبن ولا تنزلن , وماعلي أن أغبر قدمي ساعة في سبيل الله ....
وأما سلمان الفارسي فقد جلست قريش تتفاخر يوماً في حضوره وكان حينها أميراً على المدائن , فأخذ كل رجل منهم يذكر ماعنده من أموال أو حسب ونسب وجاه , فقال لهم سلمان : أما أنا فأُولي نطفة قذرة , ثم أصير جيفة منتنة , ثم آتي الميزان , فإن ثقل فأنا كريم , وإن خف فأنا لئيم ,
هكذا كانوا رضي الله عنهم جميعاً وهكذا كان رسولنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم ....,
المؤمن يتعبد لله تعالى بأخلاقه ومهارات تعامله مع جميع الناس لا لأجل مصلحة أو منصب أو جاه ومانحو ذلك
وكم رأيت الكثير يبخلون حتى بالإبتسامة في وجوه الناس ودائماً مانراهم لا يحسنون التلطف ولا المعاملة الحسنة للآخرين فيكونون في قمة الخشونة ويصعب التعامل معهم !
ولعل الغريب هو عندما نراهم في مواطن أخرى مع أصحاب النفوذ أو السلطة أو ممن يملكون شيئاً من متاع الدنيا فكيف أننا نراهم حينها مبتسمين ويحسنون التلطف معهم ويجاملوهم فقط لمصلحة ما يبغونها فما أعجب ذلك ...! ولعل أبسط مايمكن أن نفعله ويحبب لنا الخلق ويرضي الله عنا هو التعامل بالخلق الحسن مع الآخرين
فكيف لا نكون كذلك وسيد الأنبياء والمرسلين كان لنا أكبر قدوة ومثال حي صادق على ذلك ,
وبعض الناس أيظاً هداهم الله نجد أنه كلما أنعم الله عليهم بنعمة زادهم ذلك كبراً وغروراً والعياذ بالله بدلاً من أن يكون ذلك سبباً لتواضعهم فنجدهم يتفاخرون بالمشي آو عندما يمرون من أمام أحدٍ ما طبعاً إن كان ليس من أصحاب مناصب أو مال وماشابه ذلك فحتى السلام لا يردون عليه ولو أنهم علموا فقط ماضيعوه فوالله مافعلوا ذلك البتة , أين هم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ,
تخيلوا وهذا مثقال ذرة وكم تبلغ حجم الذرة ؟!!!
فمابالكم بالذين صار هذا أسلوب حياتهم ... إخوآني وأخواتي الأعزاءإن المال وإن أعطي للمرء منا فلن يدوم والنسب والشرف وكل شيء في هذه الدنيا فاني فما لنا نبخل على أنفسنا الأجر العظيم والثواب الكبير ,
فلنجعل معاً التواضع منهجاً لنا وطريقنا للفلاح في الدنيا والآخرة وفقنا الله جميعاً وإياكم لعمل الخير دائماً
ولا حرمنا الأجر والثواب ,