لقمان الحكيم




وكان عبدا أسود حبشيا من سودان مصر ،
عظيم الشفتين والمنخرين ، قصيرا أفطس مشقق القدمين ،
وليس يضره ذلك عند الله عز وجل ؛ لأنه شرفه بالحكمة بقوله تعالى :
( ولقد آتينا لقمان الحكمة).
وقيل : خير السودان أربعة رجال : لقمان بن باعوراء . وبلال بن رباح المؤذن
الذي عذب في الله ما لم يعذبه أحد ، وهو يقول : أحد أحد .
والنجاشي : ملك الحبشة . ومهجع : مولى عمر يقال أنه من أهل اليمن
وهو من المهاجرين الأولين وهو أول من استشهد يوم بدر .


وأول ما ظهر من حكمته : أنه كان مع مولاه
فدخل مولاه الخلاء فأطال الجلوس ، فناداه لقمان ،
إن طول الجلوس على الحاجة تنجع منه الكبد ، ويورث الباسور
ويصعد الحرارة إلى الرأس ، فاقعد هوينا وقم .
فخرج مولاه وكتب حكمته على باب الخلاء .


وقيل : كان مولاه يقامر ، وكان على بابه نهر جار
فلعب يوما بالنرد على أن من قمر صاحبه
شرب الماء الذي في النهر كله أو افتدى منه !
فقمر سيد لقمان ، فقال له القامر : اشرب ما في النهر وإلا فافتد منه ؟
قال فسلني الفداء ؟ قال : عينيك افقأهما أو جميع ما تملك ؟
قال : أمهلني يومي هذا ؟ قال لك ذلك .


قال : فأمسى كئيبا حزينا ،
إذ جاءه لقمان وقد حمل حزمة حطب على ظهره
فسلم على سيده ثم وضع ما معه ورجع إلى سيده
وكان سيده إذا راه عبث به فيسمع منه الكلمة الحكيمة فيعجب منه
فلما جلس إليه قال لسيده : ما لي أراك كئيبا حزينا ؟
فأعرض عنه فقال له الثانية مثل ذلك
عنه ثم قال له الثالثة مثل ذلك فأعرض عنه
فقال له : أخبرني فلعل لك عندي فرجا ؟ فقص عليه القصة ،
فقال له لقمان : لا تغتم فإن لك عندي فرجا
قال : وما هو ؟ قال : إذا أتاك الرجل فقال لك :
اشرب ما في النهر ، فقل له : اشرب ما بين ضفتي النهر أو المد ؟
فإنه سيقول لك اشرب ما بين الضفتين ،
فإذا قال لك ذلك فقل له : احبس عني المد حتى اشرب ما بين الضفتين ،
فإنه لا يستطيع أن يحبس عنك المد
وتكون قد خرجت مما ضمنت له
فعرف سيده أنه قد صدق فطابت نفسه ، فأعتقه


بعض من نصائح ومواعظ لقمان لابنه :



- يا بني :
إياك والدين ، فإنه ذل النهار ، وهم الليل .


- يا بني :
كان الناس قديما يراؤون بما يفعلون ، فصاروا اليوم يراؤون بما لايفعلون .


- يا بني :
إياك والسؤال فإنه يذهب ماء الحياء من الوجه .


- يا بني :
كذب من قال : إن الشر يطفئ الشر ، فإن كان صادقا فليوقد نارا إلى جنب نار
فلينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى؟
وإلا فإن الخير يطفئ الشر كما يطفئ الماء النار .


- يا بني :
لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة .


- يا بني :
: إذا كنت في الصلاة فاحفظ قلبك ، وإن كنت على الطعام فاحفظ حلقك ،
وإن كنت في بيت الغير فاحفظ بصرك ، وإن كنت بين الناس فاحفظ لسانك .


- يا بني :
احذر الحسد فإنه يفسد الدين ، ويضعف النفس ، ويعقب الندم .


- يا بني :
أول الغضب جنون ، وآخره ندم .


- يا بني :
الرفق رأس الحكمة .


- يا بني :
إياك وصاحب السوء فإنه كالسيف يحسن منظره ، ويقبح أثره


- يا بني :
لا تطلب العلم لتباهي به العلماء ، وتماري به السفهاء
أو ترائي به في المجالس . ولا تدع العلم زهاده فيه ورغبة في الجهالة ،
فإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم ،
فإن تك عالما ينفعك علمك وإن تك جاهلا يعلموك
ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم

- يا بني :
لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم .

- يا بني :
لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء .

- يا بني :
لا تمارينّ حكيما ، ولا تجادلنّ لجوجا ، ولا تعشرنّ ظلوما ، ولا تصاحبنّ متهما .


- يا بني :
إني قد ندمت على الكلام ، ولم أندم على السكوت .


- يا بني :
إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك ،
فإن أنصفك عند غضبه وإلا فأحذره .


- يا بني :
من كتم سره كان الخيار بيده .


- يا بني :
لا تكن حلو فتبلع ، ولا مرّا فتلفظ .


- يا بني :
لكل قوم كلب فلا تكن كلب أصحابك ، (قاله لابنه يعظه حين سافر .)
مثل المرأة الصالحة مثل التاج على رأس الملك


- يا بني :
ومثل المرأة السوء كمثل الحمل الثقيل على ظهر الشيخ الكبير .


- يا بني :
إياك و الكذب .. فإنه يفسد عليك دينك..
يمحو عليك عند الناس مروءتك ، و يضع منزلتك ،
و يضيع جاهك ، فلا يسمع أحد منك إذا حدثت .. و لا يصدقك إذا قلت ..
و لا خير لك في الحياة إذا كنت كذلك
إذا طلع الناس على ذلك في أمرك ثم صدقت إتهموك و حقروا شأنك أبغضوا مجلسك
و أخفوا عنك أسرارهم ، و ختموا حديثهم و كتموه ،
حذروك في أمر دينهم ، و لا يأمنوك في شيء من أحوالهم..
وهذه حالتك في قلوب الناس.. و أكبر من ذلك مقت الله.. و عقوبته في الآخرة


- يا بني :
كنز أنفع من العلم .. و لا شيء أربح من الأدب..
ولا قرين أزين من العقل..و لا غائب أقرب من الموت
لا شيء أنفع من الصدق ،و لا سيئة أسوأ من الكذب ،
و لا عبادة أفضل من الصمت ، و لا عاراً أقبح من البخل...


- يا بني :
كن أمينا تكن غنياً...


- يا بني :
إن العالم الحكيم يدعو الناس إلى علمه بالصمت و الوقار ،
إن العالِم الأحمق يطرد الناس عن علمه بسقط الكلام و الإكثار منه


- يا بني :
إستعذ بالله من شرار الناس... و كن من خيارهم على حذر

- يا بني :
كن عبداً للأخيار.. و لا تكن خليلاً للأشرار..

- يا بني :
لا تأمر الناس باليسر و تنس نفسك..
في كون مثلك مثل السراج الذي يضيء للناس و يحرق نفسه

- يا بني :
للحاسد ثلاث علامات:
يغتاب صاحبه إذا غاب .. و يتملقه إذا شهده... و يشمت فيه عند المصيبة..


- يا بني :
إجعل معروفك في أهلك.. و لا تضعه في غير أهله..
فتخسره في الدنيا ، و تُحرم ثوابه في الآخرة


- يا بني :
كن مُقتصداً و لا تكن مُبذراً.. و لا تمسك المال تقتيراً .. و لا تُعطه تبذيراً


- يا بني :
خداع القلوب يظهر من كلمة على اللسان.. أو نظرة في العين


- يا بني :
احضر الجنائز ولا تحضر العرس فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشهيك الدنيا


- يا بني :
لا تكن أعجز من هذا الديك الذى يصوت بالأسحار وأنت نائم على فراشك


- يا بني :
إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.


- يا بني :
إذا أتيت مجلس قوم ، فإرمهم بالسلام ، و ثم إجلس و لا تنطق حتى تراهم قد نطقوا...
فإن فاضوا في ذكر الله ، فإجلس معهم ، و إن فآضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم


- يا بني :
إن من الكلام ما هو أشد من الحجر ، و أمر من الصبر ، و أحر من الجمر ..
و إن القلوب مزارع فازرع فيها طيب الكلام ، فإن لم ينبت كله نبت بعضه...


- يا بني :
كن على حذر من اللئيم إذا أكرمته.. و من الكريم إذا أهنته ..
و من الفاجر إذا خاصمته..


- يا بني :
لا تضحك من غير عجب ، و لا تمشي في غير إرب ،
و لا تضيع مالك ، و تصلح مال غيرك.
فإن مالك ما قدمت ، و مال غيرك ما تركت...


- يا بني :
لا تعرفها إلا عند ثلاثة:
لا تعرف الحليم إلا عند الغضب..
و لا الشجاع إلا عند الحرب..
ولا أخاك إلا إذا إحتجت إليه..


- يا بني :
لقد أكلت الحنظل ، و ذقت الصبر...
لكنني لم أجد مرارة في فمي ، أشد من مرارة الفقر..
فإن إفتقرت فلا تحدث به الناس ، كي لا ينتقصوك ..
فمن ذا الذي سأل الله و لم يعطه..
و من ذا الذي دعا و لم يجبه..
و من ذا الذي تاب إلى الله و لم يقبله...





.