‏{‏قُل‏}‏ لهم‏:‏ ‏{‏إِنِ افْتَرَيْتُهُ‏}‏ فالله علي قادر وبما تفيضون فيه عالم، فكيف لم يعاقبني على افترائي الذي زعمتم‏؟‏

فهل ‏{‏تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا‏}‏ إن أرادني الله بضر أو أرادني برحمة ‏{‏كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُم‏}‏ فلو كنت متقولا عليه لأخذ مني باليمين ولعاقبني عقابا يراه كل أحد لأن هذا أعظم أنواع الافتراء لو كنت متقولا، ثم دعاهم إلى التوبة مع ما صدر منهم من معاندة الحق ومخاصمته فقال‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏ أي‏:‏ فتوبوا إليه وأقلعوا عما أنتم فيه يغفر لكم ذنوبكم ويرحمكم فيوفقكم للخير ويثيبكم جزيل الأجر‏.‏

‏{‏قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ‏}‏ أي‏:‏ لست بأول رسول جاءكم حتى تستغربوا رسالتي وتستنكروا دعوتي فقد تقدم من الرسل والأنبياء من وافقت دعوتي دعوتهم فلأي شيء تنكرون رسالتي‏؟‏ ‏{‏وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُم‏}‏ أي‏:‏ لست إلا بشرا ليس بيدي من الأمر شيء والله تعالى هو المتصرف بي وبكم الحاكم علي وعليكم، ولست الآتي بالشيء من عندي، ‏{‏وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏}‏ فإن قبلتم رسالتي وأجبتم دعوتي فهو حظكم ونصيبكم في الدنيا والآخرة، وإن رددتم ذلك علي فحسابكم على الله وقد أنذرتكم ومن أنذر فقد أعذر‏.‏

‏{‏قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُم‏}‏ أي‏:‏ أخبروني لو كان هذا القرآن من عند الله وشهد على صحته الموفقون من أهل الكتاب الذين عندهم من الحق ما يعرفون أنه الحق فآمنوا به واهتدوا فتطابقت أنباء الأنبياء وأتباعهم النبلاء واستكبرتم أيها الجهلاء الأغبياء فهل هذا إلا أعظم الظلم وأشد الكفر‏؟‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ومن الظلم الاستكبار عن الحق بعد التمكن منه‏.‏

‏[‏11ـ 12‏]‏
﴿‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ‏}‏

أي‏:‏ قال الكفار بالحق معاندين له ورادين لدعوته‏:‏ ‏{‏لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ ما سبقنا إليه المؤمنون أي‏:‏ لكنا أول مبادر به وسابق إليه وهذا من البهرجة في مكان، فأي دليل يدل على أن علامة الحق سبق المكذبين به للمؤمنين‏؟‏ هل هم أزكى نفوسا‏؟‏ أم أكمل عقولا‏؟‏ أم الهدى بأيديهم‏؟‏ ولكن هذا الكلام الذي صدر منهم يعزون به أنفسهم بمنزلة من لم يقدر على الشيء ثم طفق يذمه ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ هذا السبب الذي دعاهم إليه أنهم لما لم يهتدوا بهذا القرآن وفاتهم أعظم المواهب وأجل الرغائب قدحوا فيه بأنه كذب وهو الحق الذي لا شك فيه ولا امتراء يعتريه‏.‏

الذي قد وافق الكتب السماوية خصوصا أكملها وأفضلها بعد القرآن وهي التوراة التي أنزلها الله على موسى ‏{‏إِمَامًا وَرَحْمَةً‏}‏ أي‏:‏ يقتدي بها بنو إسرائيل ويهتدون بها فيحصل لهم خير الدنيا والآخرة‏.‏ ‏{‏وَهَذَا‏}‏ القرآن ‏{‏كِتَابٌ مُصَدِّقٌ‏}‏ للكتب السابقة شهد بصدقها وصدَّقها بموافقته لها وجعله الله ‏{‏لِسَانًا عَرَبِيًّا‏}‏ ليسهل تناوله ويتيسر تذكره، ‏{‏لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏ أنفسهم بالكفر والفسوق والعصيان إن استمروا على ظلمهم بالعذاب الوبيل ويبشر المحسنين في عبادة الخالق وفي نفع المخلوقين بالثواب الجزيل في الدنيا والآخرة ويذكر الأعمال التي ينذر عنها والأعمال التي يبشر بها‏.‏