لقد أصبح من أسهل الطرق اليوم إلى الشهرة أن ترفع عقيرتك مهاجما عالم دين أو منتقدا فكرة إسلامية أو مهاجما عملا إسلاميا. لا نقول أن هذه الأفكار فوق النقد ولكن أن ينحرف النقد عن مساره الصحيح ويتحول إلى مهاجمة والى طريق للشهرة وإبراز الذات فهذا ما لا يرضاه عاقل منصف.
خرج احدهم ممن كانت له تجربة التزام ديني سابقة (مع التحفظ على هذا المصطلح) على إحدى الفضائيات وانتقد الخطاب الديني في السعودية وانه في أزمة كبيرة (ونحن نعترف أن الخطاب الديني يحتاج إلى إعادة نظر وتصحيح ليواكب العصر), وكان هذا الشخص يدعو إلى رفع أيدي العلماء عن المجتمع فالناس حسب فهمه تعرف دينها ولا تحتاج إلى معلم يبين لها ماذا تفعل, فالإسلام دين الفطرة. وحقيقة الأمر أن هذا كلام غريب. فمعناه أن نترك الناس وشأنهم فهم يعرفون أن الله واحد وأن رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم ويعرفون كذلك أن أركان الإسلام خمسة, لذا فلا داعي أن (يتسلط) مشائخ الدين وطلبة العلم على رقاب الناس ويرددوا كلاما مكررا مملا سمعناه آلاف المرات. وهي دعوة واضحة إلى تهميش دور العلماء في حياة الناس واعتبار أن الناس لديهم القدرة الكافية على معرفة أمور دينهم دون تدخل من احد مما يدل على الخلل الكبير والفهم المغلوط للدين. وهو في نفس الوقت تطرف كبير وعنف فكري يمارسه هؤلاء بدعوى الإصلاح. ولعل هذا الأخ لو بذل وقتا يسيرا في قراءة لحياة الرسول الأعظم لتبين له خطأ ما يقول وجنوحه عن الحقيقة. ألم يكرر الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامع الصحب الكرام أهمية الصلاة مرات ومرات (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم) بل يذكرهم بها حتى وهو على فراش الموت هذا وهو يخاطب أفضل البشر بعد الأنبياء, فلماذا يكرر على مسامعهم هذا الكلام وهم الصحابة؟ فما بالك بحالنا اليوم؟
كذلك انتقد احدهم الشيخ عايض القرني قائلا كيف يدعو الناس إلى الزهد وهو صاحب مليونير!! تعليقا على برنامجه الرمضاني (لا تحزن). ولا ادري هل المطلوب من المشائخ وطلبة العلم أن يعيشوا على الحصير ويأكلوا الخبر الجاف مع الماء ويسكنوا الخيام وبيوت الطين تقليدا للسلف كما فعل البعض في سالف أيامه حتى يحق لهم أن يعضوا الناس في دينهم؟ ألم يكن عثمان بن عفان رضي الله عنه من أغنى أغنياء المسلمين وصاحب ملايين وهو الزاهد العابد؟ ألم يكن ابن المبارك عالما زاهدا أعطاه الله مالا وغنى؟ لذا فلا تعارض بين الغنى والزهد. حقيقة هناك خلط كبير وتجن على الحقيقة ونزعة لمهاجمة الفكرة الإسلامية. ليت هؤلاء ينتقدون بحثا عن الحقيقة وتصحيحا للأخطاء ولكن الأمر غير ذلك.
الحق يقال إن الإسلاميين قد أفاقوا قليلا وانتبهوا للعبة الإعلام خاصة بعد أن كانت بينهم وبينه فجوة كبيرة وخاصة الفضائي منه, فأصبحنا اليوم نرى لهم جهودا طيبة في هذا المجال وأصبح لهم حضور بارز يستقطب جمهورا عريضا., ولعل هذا ما أزعج البعض الذي يرى أن هذا المضمار هو مضماره الذي يراهن عليه, فأصبح يهاجم تلك الجهود ويرى أنها من العبث وأنها تكرار لنفس البضاعة. وهذه أزمة يعيشها اؤلئك الذين دائما ما نادوا إلى حرية الرأي والتعبير فما بالهم اليوم يخالفون ما يدعون إليه؟
المجتمع لم يسمع عن هؤلاء ولا يعرفهم. والإعلام روج لهم كثيرا واعتبرهم ظاهرة لتحول فكري, فأصبحوا يتاجرون بتحولهم هذا في السوق الإعلامي طلبا للشهرة, كما يتاجر البعض الآخر بفترة (السجن) التي قضاها بين القضبان على اعتبار انه مناضل كبير, وكأن كل من سجن أصبح مناضلا!!
إن التحول الفكري من حالة التطرف الديني الذي كانوا عليه إلى حالة التطرف الفكري تبرز الحالة النفسية لهؤلاء وأنهم لا يستطيعون أن يروا خط الوسط في الأمور. انتقلوا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, بعد أن احرقوا الكتب التي تربوا عليها إعلانا بانتهاء مرحلة التطرف الإسلامي, لينتقلوا إلى مرحلة جديدة هي اقرب لليبرالية منها إلى الإسلامية, ولا ندري تحولهم القادم إلى أي فكرة سيتوجه وقطعا سيحرقون كتب هذه المرحلة التي يعيشونها وخاصة كتب الجابري التي كانت سببا لتحولهم كما يقولون, لقد أصبحت فكرة (الإحراق) طريق النجاة والتخلص من الماضي, وعنوانا للتحول عن الفكرة والتقاط فكرة أخرى.
smanazi@hotmail.com