شهر رمضان المبارك هو أفضل الشهور ، كما عَبَّرَ عن ذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم) بقوله : " شهر هو عند الله أفضل الشهور ، و أيامه أفضل الأيام ، و لياليه أفضل الليالي ، و ساعاته أفضل الساعات " و لذلك فهو فرصة ثمينة لمن يريد اغتنام هذا الشهر المبارك الذي لا يتكرر في السنة إلا مرة واحدة ، و لا يضمن فيه أحد نفسه أنه ستتاح له الفرصة في العام القادم ، إذ قد ينتقل إلى الدار الآخرة قبل ذلك !
و شهر رمضان المبارك يجب أن يُحيى بالأعمال الصالحة ، و اجتناب كل ما يسيء إلى مكانته و فضله مما يخدش في مفهوم الصيام الكامل ، و هو اجتناب كل المفطرات المادية و المعنوية و السلوكية .
و في مجتمعنا ـ كما في الكثير من المجتمعات الإسلامية الأخرى ـ توجد بعض العادات و السلوكيات الحسنة التي يجب أن تُنَمَّى وتُقَوَّى ، كما توجد في المقابل بعض العادات و السلوكيات الخاطئة التي ينبغي التخلص منها ، و إحلال السلوكيات الحسنة مكانها .
السلوكيات الحسنة :
توجد في مجتمعنا الكثير من العادات و السلوكيات الحسنة التي يجب أن نسعى لتنميتها ، و العمل على الإكثار منها ، و استثمارها في خلق جو إيماني و روحي يساعد على تنمية التدين في المجتمع . . . و يمكن الإشارة إلى بعض هذه السلوكيات و العادات الحسنة في النقاط التالية :
1 ـ تلاوة القرآن الكريم :
ورد التأكيد على فضل تلاوة القرآن الكريم في كل وقت و زمن ، و لكنه في شهر رمضان أكثر تأكيداً ، و أعظم ثواباً و أجراً ، فقد ورد عن النبي ( صلى الله عليه وسلم) قوله : " من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور " ، .
و في مجتمعنا نرى في كل منزل و مكان هناك من يتلو القرآن الكريم ، إذ عادة ما يلتزم الجميع بقراءة جزء من القرآن ليلياً على الأقل . و هذه عادة حسنة يجب التشجيع عليها ، و في نفس الوقت ينبغي التأكيد على أهمية فهم القرآن ، و الاهتمام بتجويده و تفسيره ، و الاطلاع على علوم القرآن حتى يتسنى لقارئ القرآن الكريم معرفة الآيات الشريفة ، و إدراك أبعادها و غاياتها و تفسيرها .
2 ـ الاهتمام بالفقراء و المساكين :
من العادات و السلوكيات الحسنة في مجتمعنا خلال شهر رمضان الكريم هو الاهتمام بالفقراء و المساكين؛ فعادة ما يهتم الناس في شهر رمضان أكثر من باقي الشهور الأخرى بالفقراء و المساكين ممن هم حولهم ، سواء كانوا من ذوي الأرحام ، أو من قاطني نفس الحي ، أو من أهل المدينة أو القرية مما يضفي جواً من التكافل الاجتماعي العام .
و قد حًثًّ نبينا ( صلى الله عليه و سلم) الأغنياء في هذا الشهر الفضيل على الإنفاق على المحتاجين من الفقراء و المساكين ، إذ يقول ( صلى الله عليه و سلم ) : " و تصدقوا على فقرائكم و مساكينكم ، و وقروا كباركم ، و ارحموا صغاركم ، و صلوا أرحامكم ، و تحننوا على أيتام الناس يُتحنَّن على أيتامكم " .
و هذه العادة الحسنة يجب أن توظف في دفع عجلة العمل الخيري و التطوعي في مجتمعنا بما يساهم في الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية و كافة المناشط التطوعية .
3 ـ تنشيط الزيارات :
و من العادات و السلوكيات الحسنة في شهر رمضان ما نلاحظه في مجتمعنا من الاهتمام بزيارة الأرحام ، و صلة الأصدقاء ، و تبادل الزيارات لمجالس الذكر و الدعاء ، و اجتماع الناس في المجالس ، مما يضفي أجواءً من الحيوية و التفاعل بين مختلف الشرائح الاجتماعية .
و قد حث النبي ( صلى الله عليه و سلم ) على زيارة الأرحام في هذا الشهر المبارك ، إذ يقول ( صلى الله عليه و سلم ) : " من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه ، و من قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه " .
كما ورد الحث على زيارة المؤمنين و الأصدقاء ، فقد روي عن النبي ( صلى الله عليه و سلم) قوله : " من زار أخاه المؤمن إلى منزله لا حاجة منه إليه كتب من زوار الله ، و كان حقيقاً على الله أن يُكرم زواره " ، و قال ( صلى الله عليه و سلم) أيضاً : " الزيارة تنبت المودة " ،
فزيارة المؤمنين و الأصدقاء و الأرحام لها فوائد عظيمة ، لَعًلَّ من أهمها : تقوية العلاقات الاجتماعية ، و إشاعة الأخوة بين المؤمنين ، و إزالة الضغائن و التشنجات من النفوس ، و تثبيت المودة و المحبة بين أفراد المجتمع . و لذلك كله ، ينبغي تنمية عادة التزاور بين الناس و خصوصاً في شهر الله ( شهر رمضان ) حيث تكون النفوس مهيأة لتبادل الزيارات ، و نسيان ما قد يَعْلق بين بعض أفراد المجتمع طوال السنة من سوء فهم ، أو حدوث توتر لأي سبب كان .
4 ـ الإقبال على صلاة الجماعة :
من العادات و السلوكيات الحسنة في شهر رمضان المبارك أيضاً الإقبال الشديد على المشاركة في صلاة الجماعة ، خصوصاً في صلاتي المغرب و العشاء ، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين جماعة ، و هي عادة حسنة ، بل إن صلاة الجماعة مستحبة مؤكدة في كل وقت ، و لكن في شهر رمضان يتضاعف الأجر فيها ، فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) قوله : " قد أظلكم شهر رمضان ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، جعل الله صيامه فريضة ، و قيامه لله عَزَّ و جَلَّ تطوعاً ، من تَقَرَّبَ فيه بخصلة من خير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه ، و من أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه " .
و هذا الإقبال على صلاة الجماعة في شهر رمضان من السلوكيات الحسنة ، و يجب أن يعاهد فيه الإنسان نفسه على الالتزام بإتيان صلاة الجماعة في كل أيام السنة لما في ذلك من تقوية للحالة الدينية في المجتمع ، و تنمية أواصر الأخوة بين المؤمنين ، و خلق الأجواء الإيمانية و الروحية في الفضاء الاجتماعي العام .
5 ـ تبادل أطباق الطعام :
و هي من السلوكيات الحسنة أيضاً ، حيث يتبادل الناس في شهر رمضان المبارك ، و خصوصاً بين الأرحام و الجيران و الأصدقاء ، أطباق الطعام ، مما ينمي المحبة بين أفراد المجتمع ، و يساهم في خلق أجواء من الصفاء النفسي الذي يذيب مشاعر الكراهية التي قد توجد بين بعض الناس لأسباب مختلفة .
و هذه العادة الحسنة تعطي انطباعاً بتماسك المجتمع و ترابطه ، و تساهم في تقوية النسيج الاجتماعي مما ينعكس أثره على التعامل الإيجابي بين الناس .
و إذا كان الإنسان يتبادل الطعام بعنوان ( إفطار صائم ) فإن له أجراً و ثواباً عظيماً كما ورد عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و سلم ) حيث قال : " أيها الناس : من فَطَّرَ منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ، و مغفرة لما مضى من ذنوبه .
قيل : يارسول الله ! و ليس كلنا يقدر على ذلك .
فقال : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، اتقوا النار و لو بشربة ماء " .
فلنجعل من تبادل أطباق الطعام بهدف الحصول على الثواب الكبير أيضاً من خلال عقد النية على تفطير الصائمين ، و بذلك يحصل الإنسان على الثواب و الأجر الجزيل ، بالإضافة لما في ذلك من فوائد كثيرة في صناعة التقارب و التواصل بين أفراد المجتمع .
نقلاً عن فضيلة الشيخ(عبد الله اليوسف.