{ مختصر تفسير سورة محمّد }
تمهيد:
أبرز المواضيع التي تعالجها هذه السورة الكريمة هي الحث على القتال دفاعاً عن العقيدة، ولهذا تسمى أيضاً سورة "القتال"، فهي تبين الحكمة منه مع تكريم الاستشهاد والشهداء، ووعد بنصر المؤمنين، وإنذار بهلاك الكافرين مع بيان حال الفريقين في الآخرة، بالإضافة إلى ذلك تكشف السورة حقيقة المنافقين وخصالهم، وتنذرهم بعذاب من الله، وفيها أيضاً دعوة للمؤمنين لإعتماد العقل والعلم عند الأخذ بالعقيدة، مع الدعوة لتدبر القرآن الكريم وفهمه، كما أن فيها حثاً على الإنفاق في سبيل الله ..
تفسير الآيات:
بسم الله الرحمن الرحيم
{الَّذِينَ كَفَرُوا}: أي جحدوا وجود الله -عز و جل-
{وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: أعرضوا عن الإسلام، أو صرفوا غيرهم عن الدخول فيه
{أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)}: أبطل الله كيدهم
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}: هم الذين صدّقوا بوجود الله وعملوا بطاعته، واتبعوا أمره ونهيه
{وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ}: أي صدّقوا بالقرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم
{وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ}: وهو الدين الحق الباقي على مرّ العصور
{كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}: التكفير: الستر والتغطية، والمقصود: محا الله ما عملوا من السيئات
{وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)}: أي أصلح حالهم وأمورهم بالتأييد والتوفيق
{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ}: اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ: أي الشيطان، فأطاعوه
{وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ}: الحق الذي جاء به محمّد صلى الله عليه وسلم من ربهم
{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)}: أي كذلك يبين الله للناس أحوال الفريقين: المؤمنين، والكافرين
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}: فَضَرْبَ الرِّقَابِ: قاتلوهم بضرب رقابهم ليكون الموت أسرع لهم
{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ}: أضعفتموهم وأوهنتموهم بالجراح
{فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}: فأسروهم وشدّوا ربطهم بالحبل وغيره
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ}: فَإِمَّا مَنًّا: فإما أن تطلقوا الأسرى بغير فدية
{وَإِمَّا فِدَاءً}: وإما إطلاق سراحهم في مقابل مال أو نحوه
{حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}: َ أَوْزَارَهَا: آلاتها وأثقالها من السلاح وغيره، والمقصود: يضع المحاربون أسلحتهم، وتنقضي الحرب
{ذَلِكَ}: أي هذا ما أمركم به من الجهاد
{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ}: ولو شاء الله لأهلك الكافرين وانتقم منهم بدون قتالكم لهم أيها المؤمنون
{وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}: لِيَبْلُوَ : ليختبر
{وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}: فِي سَبِيلِ اللَّهِ: دفاعاً عن دين الله
{فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)}: فلن يضيع ثواب أعمالهم
{سَيَهْدِيهِمْ}: إلى الجنّة
{وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)}: يصلح حالهم بالمغفرة والعفو عن سيئاتهم
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)}: عَرَّفَهَا لَهُمْ: أي عرّفهم منازلهم فيها فلا يستدلون عليها ولا يخطئونها، وقيل: بمعنى طيّبها لهم لأن العرف هو الرائحة الزكيّة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}: نصرة الله بنصرة دينه، فهو القوي الغني عن العالمين
{وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}: أي النصر والمعونة في موطن الحرب، والمراد بالأقدام: المحاربون أنفسهم وعبر بذلك لأن الثبات والضعف يظهران فيها
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ}: تَعْسًا: هلاكاً، أو شرّاً، أو خيبةً
{وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}: أي جعل الله أعمالهم على غير هدى ولا رشاد ولا فائدة
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}: هو القرآن الذي يحتوي على التوحيد والشرائع والأحكام التي تخالف ما ألف الكفار من عقائد وتقاليد
{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}: أي أبطل الله ثواب أعمالهم فلم تحقق ثمرتها المرجوة
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ: أطبق الهلاك عليهم
{وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)}: أي وللكافرين من قريش المكذبين رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم لهم من العذاب العاجل أمثال ما حصل للأمم السابقة الذين كذّبوا رسل الله تعالى
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ (11)}: مَوْلَى: ناصر ومعين
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ}: يَتَمَتَّعُونَ: ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا
{وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)}: مَثْوًى: مسكن، ومأوى
يتبع ..