ذكرى الرحيل المر.. في مثل هذا اليوم من رمضان الماضي كان التناقض قد بلغ أوجه في حياتي, تناقض كما الفرق بين بياض الثلج وسواد الليل.. كان ذلك البياض هو روحانية رمضان وصفاء قلوب الناس ولقاء الأحبة وسعادتهم فيه.. أما السواد – وآه ثم آه من السواد – الذي ساد في ذلك المساء الرمضاني بنازلة, شطرت القلب ودقت فيه وتداً هزّ كياني وشلّ كل أركاني..؛ إنه نبأ وفاة أخي (يحيى) مات قبل أن يكمل زهرة عمره العشرين – إثر حادث مروري – ليرحل عن دنيانا إلى جوار الرحيم. في مثل هذا اليوم أتاني النبأ (الصاعق) باتصال من قريب لي, لم يمهلني ثوان من بدء مكالمته حتى أوقد النار بجوفي بكلمات معدودة:
"ألو إبراهيم.. نعم هلا.. سيارتك مع من؟ سيارتي مع أخي.. تعال بسرعة لقد مات يحيى في حادث وهو يحمل الآن للمستشفى" انتهت المكالمة.
تجمد الدم في عروقي وتبدل نور المكان بظلام الفاجعة (لا حول ولا قوة إلا بالله) هرعت للمستشفى والنفس تحدث ما بقي فيها في ذهول "يا الله ما أسرع القدر قبل لحظات كان يصافحني وسط بيتي, قبل لحظات كان يبتسم في وجهي.. لا لا لعله أصيب فقط, يا رب الطف به وبنا". وصلت المستشفى متعلقاً بالأمل, وما هي إلا لحظات حتى جاءوا به وقد لف جسده النحيل في "لفافة" وكل العيون التي أراها ولا أراها تقول: مات يحيى. نعم! في مثل هذا اليوم غرغرت روح الأخوة والبشاشة وغرقت قلوب بنزف مصابها.. في مثل هذا اليوم رحل يحيى ووري الثرى تحت زخات المطر التي غسلت أكف الموارين من التراب ولم تمسح ذكرى الطيب من قلوبنا. رحمك الله يا أخي وأسكنك الجنان وصبر قلب محب لن ينساك أو ينسى ابتسامتك (الطاهرة) التي صافحت بها قلبه في مساء لم يكن يعلم أنه مساء الرحيل المر.