لطالما كانت "تواقة" فراشة ترفرف بأجنحة من الروح..تستكشف فضاءات عدة وتحلق في سماوات بعيدة..
هي دائماً ترجع، وأحياناً تخبو ، وتارة تتعب ..ولكنها تعاود التحليق كلما قرأت ذلك القول الخالد:
يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز:
"إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إﻻ‌ تاقت لما هو أعلى منه ،تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى اﻹ‌مارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخﻼ‌فة فنلتها،واﻵ‌ن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها."
كل الكتب والدراسات التي كتبت عن تطوير الذات وعن أسرار النجاح ﻻ‌ تغفل عن السر اﻷ‌ول : أن يكون لك رؤية مستمرة وهدف دائم..
ذلك معناه أن تكون طموحاً دائم اﻹ‌خضرار، أن تكون قابﻼ‌ً للتجدد ، للتمدد، للسمو..
أرى أن قول عمر بن عبد العزيز قدم قيمة ثمينة في تطوير الذات بل إن عمر نفسه قدم نموذجاً رائعاً عبر العصور في كيفية سمو الروح وارتقائها الدائم وتعلقها بالنجوم..
ولكن حتى تكون نفسك تواقة فﻼ‌بد أن تتخفف من أحمال الدنيا وأثقال النفس، فكلما كنت أخف كنت أقدر وأسرع على التحليق والوصول..
ولعلنا نرى ذلك في مناسبة القول الذي قاله الخليفة العظيم كيف تتخفف النفس من أحمالها:
قال رجاء بن حيوة وزير عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشدي الخامس:كنت مع عمر بن عبد العزيز لما كان والياً على المدينة فأرسلني ﻷ‌شتري له ثوباً، فاشتريته له بخمسمائة درهم، فلما نظر فيه قال : هو جيد لوﻻ‌ أنه رخيص الثمن !
فلما صار خليفة للمسلمين، بعثني ﻷ‌شتري له ثوباً فاشتريته له بخمسة دراهم ! فلما نظر فيه قال : هو جيد لوﻻ‌ أنه غالي الثمن !
قال رجاء : فلما سمعت كﻼ‌مه بكيت.
فقال لي عمر : ما يبكيك يا رجاء ؟
قلت : تذكرت ثوبك قبل سنوات وما قلت عنه فكشف عمر لرجاء بن حيوة
سر هذا الموقف.
وقال يا رجاء :
"إن لي نفساً تواقة.........."
ﻻ‌ أرى أن يكون تخفف النفس فقط عن طريق الزهد فيما لديك أو الترخص في قيمة الثياب، ولكن لكل نفس ما يثقلها ويشغلها..يعبث في دواخلها ويثبطها..
أقول ذلك ﻷ‌نني أعلم أنه ليس من السهل إدعاء قيمة كبيرة كهذه في وسط زخم الحياة الحاضرة ، ولكن.. أليس يسلي النفس كلما توقفت وتعبت، أرهقت وأثقلت، جرحت وتألمت أن تلمع أجنحتها وتنفض عنها الغبار وتذكرها بغاية هي اﻷ‌سمى واﻷ‌بعد؟
ذلك يدفعنا للتفكير في قيمة أخرى "التركيز والعمل" ، تلك النفوس التواقة هي حتماً نفوس مطلعة محبة للعلم عاشقة للعمل قادرة دوماً على اﻹ‌بداع والتفكير وفتح نوافذ جديدة..وﻻ‌ شيء ينال من أجنحتها..
.
مما راق لي؛؛؛