منذ أيام وأنا أراه يجلس وحيداً مبتعداً عن زملائه ، يجلس القرفصاء ، بمحاذاة أحد الصفوف وعيناه شاردتان في الفراغ ، ويداه تداعبان التراب ، اقتربت منه ذات يوم وسلمت عليه ، وجلست إلى جواره ، لكنه لم يرد ولم يرفع نظره عن الأرض !!
شعرت كأنهما سمرتا في الأرض ..
في الفصل وجدته يجلس في آخره ، وقد ارتكن لزاوية من زوايا الفصل وكأنها جحر له ، وجدته كما هي عادته شارد الذهن ، حزيناً كئيباً وكأن الأرض قد ضاقت عليه بما رحبت !!
اقتربت وجدت تلك الشخبطات على الجدار الذي بجواره ، كلمات وعبارات وأشعار تحوي الكثير من الأشعار والأغاني وأسماء وألقاب المطربين والفنانين ، فذلك قلب مرسوم ووسطه سهم والجرح ينزف بالدم وقد كتب بجواره ( القلب يعشق كل جميل
وعبارة أخرى ( مخاوي الليل ) ( الحب عذاب ) ( سام ستة ) ( الهلال بطل )
وغيرها من العبارات التي تحكي الواقع المؤلم والمؤسف للكثير من طلابنا وما وصلوا إليه من بؤس وشقاء وهم ونكد ( ومن غير سبب ) !!
بل هي حركات المراهقة ..
أخي الشفق... أسعد الله أوقاتك..
تمنيت لو قلت لنا كم عمر ذلك الطالب؟ وفي أي سنة دراسية هو؟
حتى يتسنى لنا تحليل المشكلة والبحث عن حلول لها...
أخالفك الرأي في قولك ( بدون سبب )!!..
فما قدتراه سببا غير مقنع قد يكون سببا وجيها لديه..
قولك..( بل هي حركات المراهقة )...
تجعلني أجزم أن الطالب في المرحلة المتوسطة على أقل تقدير... وبالتالي:
أرى أن هذا الطالب يخفي أمرا ما... لا يمكن معرفته بالطريقة المباشرة كما فعلت معه...
فهو بحاجة إلى من يقف معه... دون أن يشعره باستنكاره لما هو عليه...
وجود مثل تلك الشخبطات والعبارات ... لها دلالة مهمة جدا عند دراسة الحالة...ولايجب تأنيبه على فعلها..
أنا لن أرمي باللوم على ( البيت )...إلا إذا تخلينا عن دورنا التربوي... وهذا حاصل في كثير من الأحيان...
فالواجب نحمله على البيت.... والحفظ... أيضا على البيت.... والكتابة والرسم وعمل الوسائل والمهارة ... أيضا على البيت... والمشكلات والحالات التي تتعلق بالجانب التربوي... أيضا على البيت...
فبالله عليكم ... ماذا تبقى للمدرسة من دور !!!!؟
أنا لا أنكر أن الشراكة والتعاون بين البيت والمدرسة من أساسيات العمل التربوي وسر نجاحه.. ولكن دون أن تتداخل المهام أو يتخلى طرف عن دوره على حساب الطرف الآخر...
إن وجدتُ مثل هذه الحالة... سأجزم أن المدرسة لايوجد بها مرشد طلابي... ولا رائد نشاط ... وإن وجدا فدورهما دور شرفي ... لملء وظيفة شاغرة... يشبه إلى حد ما البالون المنفوخ بالهواء...
يا سيدي...
لو أن هناك مرشدا يعرف سر مهنته ... لعرف أن هناك ما يسمى بــ( دراسة حالة )... بارع في اكتشاف أمراض التوحد بين الطلاب قبل أن تمسك بيده لتدله عليها...
ياسيدي...
لو أن هناك رائد نشاط ... مخطط...ومتميز في توزيع الأدوار ... واختيار البرامج المناسبة لكل فئة ... لما وجد مثل ذلك الطالب مساحة شاسعة من الفراغ... غير قادرة على تبديد طاقاته التي حتما سيحاول تفريغها بالشكل الذي يراه مناسبا ..في الوقت الذي نراه شذوذ...
ياسيدي...
البيت هو من جاء بهذه الخامة إلينا لتشكيلها وتحصينها وتعهد غرس القيم ذات المردود المستقبلي على إبنه...ولو عرف أننا سنركن إليه بكل ذلك... لما كلف نفسه كل هذا العناء ولباشر المهمة بنفسه حتى تحقق البيوت الاكتفاء الذاتي في عملية التربية والتعليم...ونبقى نحن نحتفل بهذا الانجاز مع الكراسي الفارغة...
مع احترامي للجميع...
عندما نتباكى ... ونسلط أصابع الاتهام على البيت ، على المجتمع ، على وسائل الاعلام ، على ثورة المعلومات .....إلخ
ترى ونحن العارفون ببواطن الأمور والمتخصصون في تربية النشء... ماذا أعددنا من حلول!!!!؟
للأسف...
ركنا إلى صراخ الثكلى... بينما مرور الجنائز ... لايزال مستمرا ... أمام أعيننا...
الشفق...
ربما أعود كي أزيد من حجم الصراخ هناااااا ... علّ صداه يتردد ليبلغ الهدف..
دمت مبدعا..


رد مع اقتباس