وأما الدرس الثالث
(مقياس ومعيار دقيق)

فيتضح من خلال لحجيج المجتمعين في صعيد واحد على اختلاف أجناسهم وألوانهم وتعدد ألسنتهم ولغاتهم يرتدون لباساً واحداً ويعبدون إلهاً واحد ويقتسمون شربة الماء ولقمة العيش يتجاورون في السكن والمبيت والإقامة والترحال في تلك المشاعر المقدسة يعانق المسلم الغربي أخاه المسلم الأفريقي ويحتضن الآسيوي آخاه المسلم الأوروبي وقد تناسى الجميع تماماً تناسوا كافة الوثائق الرسمية والهويات الشخصية والانتماءات الوطنية وانصهرت كل العلائق في بوتقة الإسلام العظيمة ، في هذه المظاهر كلها إعلان لسقوط كل الدعوات الأرضية والعصبيات الجاهلية والشعارات القومية والنعرات القبيلية والنداءات الوطنية والتي ما أنفك يدعوا إليها سفهاء العالم وشذاذ الآفاق الذين ملؤا الدنيا ضجيجاً بدعواهم المتهالكة واطروحاتهم الفارغة 0 متناسين بسفهم وغرورهم أن قيمة الإنسان ووزنه ورفعته ومحبة إنما هو بمقدار تمسكه بالإسلام وانتماءه بالتقوى والإيمان واعتزازه بالقيم التي جاء بها القرآن { يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
ولا فضل لعربي على أعجمي ولا ابيض على أسود إنه المعيار الأصيل والمقياس الدقيق لتفاضل الناس وتمايزهم وهو ذاك المعيار الذي رفع بلالاً وعماراً وابن مسعود ووضع أبا جهل ومسليمة وغيرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ، وما فقد المسلمون عزتهم ولا غابت هيبتهم واستأسدوا عددهم إلا يوم تأرجح ميزان العدل في حياتهم وسادت الحزبية في أوساطهم وارتفعت أسهم الطبقية في مجتمعاتهم .


يتبع بإذن الله