إن القلب المرهف صاحب الإحساس المتوقد الذي يحمل ما يحمل الإنسان من مشاعر هو قلب حي و إن كان طبع صاحبه أغلض من كلب الحراسة , حقيقة لا يستطيع أن يقف شامخا ً بجبروته رافعا أنفه بسطوته أمام دمعة تخط خطا على وجنة فتاة الريف ذات الشعر الأشقر و العينان الزرقاوات إلا و يخفق قلبه ألما و إشفاقا و تتحرك جوارحه مندفعة بشعور دافن في قلبه لمسح تلك الدمعة و مد يد العون !
إن تلك الدمعة هي كمرآة صافية المطلع تعكس الصورة بحقيقتها التي فطرها الله عليها تعكس طهر الحياة وجمالها و صفاء قلب الإنسان و صدق معجزته , و لو أننا غرفنا غرفة بيدنا من ماء المحيط لوجدناه صافيا ً زلالا ً ليس له من الزرقة نصيب و إنما ذلك انعكاس لزرقة السماء و دفئها و شيئا ً من بردها لا لصفار الشمس و حرقتها !
كذلك الإنسان محيط لا ساحل له من المشاعر المتوقدة و الأحاسيس المرهفة التي هي أشد حساسية من أوتار الكمان ,إن عزفت عليه برقة وحذر و حسن إتقان ستسمع صوتا يميل له هواك و ترتخي له أذناك ذلك الصوت هو أندى تغريدا حين يضحك و يبكي من تغريد البلبل و أجمل منظر في الكون حين يبتسم باطمئنان و كأنه تل مليء بأزهار الريحان و شيئا ً من الجوري و بعض أنواع الأزهار !
لذلك في داخل كل إنسان بحر لجيي و محيطات و أنهار من الخيالات و الأحاسيس و الأفكار و القناعات إنه عالم آخر نبصره بقلوب حية غير العالم الذي نعيشه و نبصره بأعيننا ففي داخل كل منا ينابيع و بحيرات و بعضنا للأسف مستنقعات و إن زاد الحال سوءا ً فأرض قاحلة جدباء
ومن أراد حياة قلبه فلابد أن ترتوي محيطاته و ترتع الأرض و يصيبها شيئا من الفيضان من عالم الغيبيات و الروحانيات فعند اتصال القلب ببارئ القلب تصبح الدائرة كاملة و تتم دورة الحياة فيسقى بأعذب الأحاسيس و المشاعر " من خوف و حب و رجاء " فيزداد إيمانه فيكون خليفة الله في أرضه و برهان ً من براهينه !
ومن أراد موت القلب فليقطن أراضي الخنا و ليأكل من سحت المال و ليشرب القذر و يصاحب أشباه الحيوانات و ليتهم حيوان , فينسكب حينها في قلبه حنظلا أسودا ً فيصبغ تعامله بقبح الفعال و سيظهر لك و كأنه موسوعة لمساوئ الأخلاق لا يعرف معروفا ولا يهتز قلبه لمنكر رآه فقد اعتاد اقترافه و مرآه !
في تلكم اللحظة إنه ينتقل بلا ريب لمخلوق آخر اجزم أنه لن يكون إنسانا فما الفرق بينه و بين الحيوان ستنسلخ منه تلك اللحظة جميع المشاعر و الأحاسيس التي يدفنها في قلبه لا خوفا و لا حبا و لا رجاء فقط شهوة و لذة .
و كما ورد في الحديث " لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن , و لا يشرب الخمر حين يشرب و هو مؤمن , و لا يسرق حين يسرق و هو مؤمن " .
و لو أنه ازداد شربا لذلك الحنظل الأسود لأصاب بعض ينابيع الإيمان في داخله الجفاف و لأصبح جثة تتنقل بين الأحياء لا سمو و لا رفعة أكل و شرب وشهوة و مال إنه في ميزان الحياة لا شي يذكر و لن ترجح به كفة الميزان البته و ليتها قذفته بعيدا عنها و أراحتنا من منظر الكئابة و الخزي و العار !
ولو أنه أدرك أن في جمجمته عقلا يستطيع أن يفكر فيه ويحكم عقله قليلا لأدرك جادة الصواب ولتدفق منه له ينابيع الصفاء و الاطمئنان من كل مكان و لملأه قلبه خشوعا و توبة ورهبانية !
إن الحياة لا تستحق أن نتقاتل على رغيف خبز أو بئر ماء أو برميل نفط إن الفطرة أسمى من ذلك و أعلى بكثير من أن تدنس بحب المادة و تطبع في قلوب البشر البخل و الشح و الكره والنفاق وتعس عبد الدينار و تعس عبد الدرهم ذلك الآخر إن الحياة بنية على الحب و للحب فما العلاقة التي بين الخلق و مبدعهم إلا أنها حب و مالعلاقة بين الزوج و زوجته إلا أنها حب و مالعلاقة بين الأب و فلذته إلا أنها الحب و كل العلاقة مبنية على حب الحب و السلامة و الاطمئنان للآخر !
فإذا تغلغل حب المادة في قلوبنا و عضضننا على الدينار و الدرهم فإنا كوّنا الكره في داخلنا للغير و حرمنا غيرنا الخير و أحدثنا خطئا فضيعا في ميزان الكون و الحياة فعندها ستنقلب المعادلة و سنجد الفقر و لا فقر حقيقة إلا فينا لأننا و ببساطة فقيرين في حب الغير أغنياء في كره الخير لهم !
و إن تحررنا من تلكم القيود فذلك فتح عظيم وبشرى جميلة و يبقى أن نتحرر من بعض حظوظ النفس في الرأي و الفكر و أن نجعل مصلحة الكل فوق مصلحة الفرد عندها سننثر عبيرا أخاذا ً في الأرجاء و نعزف أحلى الألحان .
وفي تعاملنا مع الآخر و أدراكنا أنه مجموعة أوتار إما أن نعزف بحذر و إتقان و نكن حذرين في إخراج الكلمة و قساوه النظر و إعراض الجسم و القطيعة والحرمان فإن ذلك أشبه بعزف غوغائي على تلكم الآلة " الإنسان " فعندها سنسبب ضوضاء و تلوث و سنكون اسوأ البشر و سننقل صورة حسية قبيحة عن أنفسنا و إن أمسكنا عصا الكمان بحرفية و عزفنا برويه و اتقنا الألحان فإننا سنصبح لهم عنبرا و ومسكا ًو ريحان و سنهديهم الحب و ننشر في قلوبهم الاطمئنان بفضل رب الإنسان !
مما أبدعه الخلق .