يا شيخ َ شِـعـري
.
.
كتبت في رثاء الجواهري
في اليوم الثالث من وفاته

___
___
لا الشِّـعرَ أبكيه ، لا الأبداعَ ، لا الأدَبــا
أبكي العراقَ ، وأبكي أمـَّتي العَرَبا !
أبكي على كل شـــــمـسٍ أهـدَروا دمَـها
وبعـدَما فقدوها أسـرَجـوا الـحَـطَـبـا !
ابكي على وطــنٍ يبقـــــى الأديــبُ به
ليس الغـريب ، ولكـنْ أهـلُهُ غـُــرَبـا !
أبكي على النخلِ يا من أنت صاحـــــبُهُ
وأنت سـاقيه قــرناً مـاءكَ العـذِبـا !
وراحَ حـتى الـعِــدا يَجــنونَـهُ رُطَـــــــباً
وأنت تَعلكُ منهُ السَّعْفَ و الكَـرَبا !
أبـكي لأهــوارِ أهـلـي الآن بَلْـقَعُـهــــــا
يبكي فيبكي بها البرديَّ والقَصَبا !
و إذ مـهـاجـرةُ الأطــيــارِ تبلغُـهــــــا
تبكي وتُمعِنُ عن قيعانها هــرَبا !
أبكي الفراتين.. هل تدري مياهُهُما
بأن أعـظــم َمن غـنــى لـهـا ذَهَــبـا ؟
لا " دجلة الخير " ألوَتْ من أعــــــِـنَّتِه
ولا الـفراتُ بخـيلِ المـوتِ فيهِ كَـبـا
كأنه لم يكنْ يومــاً نديمـَهمـــــــــا
ولا أدارَ هــنا كَأســاً ، ولا شَـرِبــــا
ولا جـرى دَمـعــــُه ما سال دمـعـهـمـــا
و لا تَنـزَّى دمـــاءً كـلَّمـا اخــتَـضَــبـــا
.
يا حـاملَ السَّبعِ والتسعـينَ معجزةً
أقـــلُّـهــا أنهـــا لـم تـعــرف الـرَّهَـبــا
لكـنها عمرَ قـرنٍ كامــلٍ عــــَـرفَــتْ
أن تُستفَزَّ ، وأن تُوري الدُّنا غضَـبا !
يُقال أرهـبُ ما في الموتِ وحشَـــــتهُ
نفسي فداك هل استوحشتَ حين دَبى ؟!
وهل شعرتَ اغتراباً في مـعــيَّتهِ ؟
قضــيتَ عمركَ يا مــولاي مُــغـترِبـــا
وهل صمَتَّ اضطراراً ، أو مجـانـــفةً ؟
أم كنتَ ابلغَ أهلِ الأرضِ مُنشَعِبا ؟!
وهل تُوفِّيتَ فعلاً ، أم وُلِدتَ بـــه ؟!
إني رأيتـكَ مـلءَ الـمـوتِ مـنتصـبــا
حتى لقد ضجتْ الدنيا بما نشِـــــبَتْ
أظــفارُ مجـدِكَ فـيه لا بمـا نَشِـبــا !
يا شيخَ شعري ، ويا شيخي وشيخَ دمي
منْ لي بأن أفتديكَ الآن مُحـتسِبا ؟
مـنْ لـي بأن أرجعَ الأيّـامَ دورتـهـا
فــاسـتعـيدَكَ بحــراً زاخـراً لَجِـبــــا
يلوي يدَ الرّيحِ لا تَلــوي أعــنتــــه
ويلطمُ الجــبلَ الجـلمـودَ مـُحـترِبــــا
سبعون عاماً ، وللطاغوتِ رَهبتُـــهُ
ما راءكَ الناسُ ، أيُّ الناسِ مُرتهِبا
بل والجاً كولـوجِ المـوتِ دورهـمــو
مـُهتِّكــاً عـنهم الأسـتارَ والحُجُـبـا
مُغاضباً مثلَ صلِّ الـرَّملِ ، منصَـلـِتاً
للريحِ .. لا عطشاً تشـكو ولا سَغبـا
في حين بيتُكَ أغـصـانٌ مُـهـدَّلــةٌ
تــذوي ، وأجـنحـةٌ أبقيتَها زُغُـبـا
مُرفرفاتٍ على الأوجـاعِ ، دامــيةً
وأنتَ ترنــو إليها مُـشـفقاً حَـدِبــا
وكلما مالَ ميزانُ الأبِ انتَفَضَـتْ
أبوَّةُ الشِّعرِ في جَنبيكَ فانقلَبـا !
قالوا هرِمتَ .. وعُمري لم أجدْ هَرِماً
مــــرآهُ يمـنحُ حتى الميِّتينَ صِــبا !
وَدَدتُ واللهِ لو أعطيكَ مِـن عُمُري
عُمراً ليُصبحَ لي أن أنتسِبْ نَسَبا !
يا ذا المُسَجَّى غريباً والعراقُ هنا
يشُـقُّ قُمصـانَهُ في البعد مُـنتحـبا
وتصـرخُ النَّجـفُ الثَّكـلى مُـرَوَّعـةً
رَجْعُ المـــآذنِ فيها يفزع القُـبَبـا
وأنتَ تنأى فَتلوي ألـفُ مِــئــذنةً
رِقــابَها ، ويَضجُّ الصَّحنُ مُضطَرِبا !
وللجبالِ بكردستانَ نـائـحــــــةٌ
تَبكي الينابيعُ ، والغاباتُ ، والرَّشَبا
من بيرهَ مَكرون يَمتَدُّ العَويل بها
حــتى تراه على حِمرين مـُنسكـبا !
أمّا الجنوب ، فيدري المـاءُ ما هجَعَـتْ
حـِمـــريَّةٌ فـيه ، أوهَبَّتْ عليه صـَبا
إلا جـــرَتْ أدمُـعــاً خُــرساً شــواطــئُهُ
وجـاءها دمعُ كل النخـلِ مُنسـربـا !
ابا فـرات .. أبا روحــي و قافـيتــي
ومــاعــرفتُ لأوجــاعي سـواكَ أبـــا
من يومِ فتحتُ عيني والعـراقُ دمٌ
يُطوى ، فتَهتكُ عن طوفانِهِ الحُـجُـبا
مُعـاتباً تارةً .. مُـستنكراً أبــداً
مُـغاضـباً .. ساخـراً حيناً ، ومُكتئِبـا
لكن تَظلُّ على الحـالاتِ أجـمعهـــا
شوكَ العراقِ الذي يُدمي إذا احتُطـِبا !
علمتني مُذْ شراييني بَرَتْ قلَمي
كــيف الأديبُ يـلاقــي مـوتَهُ حَـرِبـا
وكيف يَجعلُ من أعصـابِهِ نُـذُراً
حـيناً ، وحـيناً نــذوراً كُلَّما وَجَـــبا
وكيف يَصعدُ دربَ الجَمرِ مُشتعلاً
مُجـانفاً .. عَصَـبٌ يدمــي به عَصَـبـا !
علمتَني كيف أُهـدي للعراق دمي
شعراً ، وأخشى العراقيّين إن نَضــبا !
" من قبلِ قرنٍ لو أنّا نبتَغي عِظَةً
وَعَظَتنا أن نصونَ الشِّعرَ والأدبا " !
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي