سعود



في الدراسة كان بعدي بسنة من المتوسطة حتى نهاية الجامعة
في الأصدقاء من الحاضرين أكثر حينما يغيبون
في الحياة قلب فوق الدنيا وعقل فوق الأحداث وبسمة لا تغيب

أيام الجامعة كان أكثرنا امتلاكا لوسائل الترف
وأكثرنا مسؤولية وانضباطا .. كان أكرمنا روحاً ويداً.
تحمل مسؤولية أسرته وهو صبي يافع فنهض بها دون تكلف ..

منذ عرفته لم أسمعه يشتكي همّا لأحد
أو يحيك مكرا لأحد
لم أسمعه يوما يبدأ حديثا ... كل حديثه تعليق على ما يقول الآخرون
إن سمع حديثا بائسا أخذ طرفه قبل نهايته وأكمله بكلمتين من عنده وضحكة صافية وربما قال " هاه ، مش كذا أحسن؟".
ولا تملك أمامه إلا أن تقول : أحسن .. وتكمل في سرك : أحسن أيها الكبير النادر.
كبير ونادر ولا يقوم مقامه أحد.
أحيانا يسرح في المجلس لكنه ينتبه حين يكون انتباهه ضروريا لانتزاع أحدنا من شكوى أو لحظة غم.
قبل سنوات سألت أحد كبراء الأشراف الخيراتيين : من تراه الأكمل في مَن تعرفه من جماعتك ، قال : سعود.
مع أن علاقته بسعود ليست مستمرة ودائمة كما هي علاقته بالآخرين وكلهم ذو شرف.
فاجأني جوابه ليس لأن سعود صغير في السن لكن لأن جوابه ملأني بفتى أحبه ولم أكن أتوقعه.

في عزاء علي رديش في ابنه قبل شهرين قابلت سعود آخر مرة ..
كانت الجلطة القديمة واضحة في نطقه ومشيته ويده لكن ملامحه ونورانيته وبسمته هي هي .
قلت له : " ترفق بنفسك "عادنا نشاك يا حلو " .. دردح ابتسامته وقال : ما حد يموت الا يوم موته .

ليلة الأربعاء الماضي كنا في بيته نعزي فيه ، أخذني الحسن المكرمي بيدي إلى أبناء سعود ..
كنت أريد أن أقول لهما كلاما كثيرا .. وقفت أمامهما .. صرت أراه هو . . نسيت الكلام .
نسيت الكلام يا سعود .. نسيت ..



الكاتب والشاعر الأستاذ أحمد السيد عطيف