الرُّسُـل
كتبت في فجيعة مدرسة بلاط الشهداء/ تشرين الأول 1987
عبد الرزاق عبد الواحد
لا . . لا تقلْ إنَّ أهـليهم بهم ثـكلـوا
بهم مـدى عمـره التـاريخ يحتـفـلُ
وبعد خـمسين عاماً نصف أهـلِهـمو
سيرحـلون .. وهم باقـون ما رحلـوا
لا . . لا تقل أبـداً أعمارهم قـطعتْ
أعـمارُهم بأريـج الطـلعِ تتـصـلُ
ما نخلةٌ أبلحـت .. ما نسمةٌ سـرحتْ
وما غفا تحت فَـيءِ السُّـنبلِ الحجـل
ما فـزَّ في قصبِ الأهـوار جِنحُ قَـطاً
وما سرى في شـواطيء دجـلةَ البَـلَلُ
بما يُـوفّـي العراقـيون إن كَــفَلـوا
وما يـوفـي العراقـيون إن كـُـفِلـوا
أعـمارُهـم كل هذا من شـواخـصها
وكـلُّ عـينٍ بهـم لله تكـتحــلُ
فلا تقـل ذهـبوا .. كلُّ العـراق غـدا
تضـيء فـي مقلـتيه هذه المـقـلُ
باقـون هم بيـننا .. أصداءُ ضحكهـمو
ضجـيجُهم .. لعبهم .. درسٌ به شغلـوا
بالأمـس . . أحرُفُـه لم تَـأْلُ عالـقـةً
بلَـوحِـها جـافلاتٍ مثـلما جفـلـوا
حـتى دفـاترهم تبقى . . حقـائبـهم
تبـقى .. بقـايا طعام بينها حَـمَلـوا
تبقـى ، فـذاكرةُ الـتاريخ تنـقـلُها
جيلاً فجيلاً ، ويبقى صـوتُها يصـلُ
*
لا … لا تقـلْ إنَّ أهـليهم بهم ثُـكِلوا
فكيف يُثـكَلُ من في بيـته دَخَلـوا ؟
مضوا من الدُّورِ خَفْقَ الطـَّير أجـنحةً
عادوا بصمتٍ ، ولكنْ .. كلُّهم رسـلُ !
إني تعـوَّدْتُ ، والأبـطالُ في وطـني
كُـثْرٌ ، بأن الذي يحـظى بها رجـلُ
وهـا أنا الآن مبهـورٌ بــلافـتة
طفلٌ عـليها الشـهيدُ الخـالدُ البـطلُ !
ولا تقلْ أجـل وافى . . فـمذ حدثـتْ
للآن يجـهـشُ في ساحاتِـها الأجـلُ !
مستـنكراً أن يُقـالَ الموتُ داهـمـهم
فلا تقـولوا تُـوُفُّـوا .. إنهـم قُتِـلوا !
يهـني خميني ، ويهـني كلَّ زمـرته
أنْ لـيس يفعل حتى المـوتُ ما فـعلوا
قد يخـجلُ المرءُ لو قـلبٌ بـأضـلعه
من أين يأتي عديمَ الـرحمة الخجـلُ ؟!
يـا أيُّـها المانحـون الأرضَ تـزكـيةً
أنْ مـا يزال بها منهـم دمٌ خَضِـلُ
وأنَّهـم وهبـوهـا كلَّ خضـرتِـها
وعلموا الغــيمَ فيها كـيف يـنهـملُ !
وعـلَّموا كـلَّ شـيطـانٍ بمسـبحـةٍ
وجُـبَّـةٍ ، كيف نـورُ الله يعتــدلُ
كـيف يُـصبح أطفـالٌ ومدرسـةٌ
صغـيرةٌ ، كعـبـة لله تبـتـهـلُ !
وإنْ غَـدَوا للعـراقِ الضخم أوسـمةً
والقـادسيةُ منـهم مَهرُها الجــلل !
هذا صَداقُ العراقـيين ، فانتـفـضي
يا نخوةَ الأرضِ ، فالعملاقُ يخـتزلُ
أعـطى لسـبعةِ أعــوامٍ مُـنعَّـمة
زهـواً لسبعـين جـيلاً ليس ينـدملُ
وساقـها مَهْـرَ مجدٍ لا يضــارعه
مجُد الرجـولةِ حتى وهي تكـتهـلُ !
هل خاف أولادنا ؟.. خافوا.. وهل بَطَلٌ
من دونِ خوف.. وهل بذل كما بذلوا ؟
خافُوا .. بكوا .. وبكينا من مَصارعهم
ثم انتـفضنا كـباراً بعـدَ ما حُمِلــوا
هـذا صَـداقُ العراقـيين فاشتـعلي
يا نخوةَ الأرضِ ، إن الأرضَ تشتعلُ !
يـا أقربَ الخلـقِ للـرحمنِ أجـنحةً
ويـا ملائـكةً في ظـلِّـه رفـلـوا
يـا من على رغمنا شاءتْ مَصارعُهم
أن يفضحوا شَرَّ خلق الله ، فامتَـثلوا
أرَوا جميعَ الورى إيـران كيف غَدَتْ
وحـوشُـها بدمِ الأطفـالِ تغـتسلُ
أرَوا جـميع عـبادِ الله أنَّ دمـاً
قد يُفزِعُ الأرض طراً حين ينهـطلُ !
أمـا العـراقُ . . فـأنتم يا ودائعَـهُ
يـا من بكم دورة الأحزان تكــتملُ
مثل الينـابيعِ في حمـرين أدمعـه
تجري عليكم .. سلاماً أيها الجبـلُ !
يا زارعاً في مهاوي المـوتِ قـامَتهُ
للمنكَـبَينِ .. ولا يشكو. . ولا يَكِـلُ
يـا دافعاً عن بنـي الأنسـانِ كلِّهمِ
وحـاملاً عنهـمو ما ليس يحـتملُ
لله أنتَ .. بـأي الهـمِّ تعـتـزلُ ؟
وأيُّ وجـدِ نبـيٍّ فـيك يَعـتملُ ؟
مالتْ موازينُ كل الأرضِ من هـلعٍ
وأنتَ بـاقٍ ، بكبْرِ الأرضِ تشـتملُ
يا سيدي ..يا كبير الجُرح.. يا وطني
يا حـاسراً ورياحَ الموت يقتــتلُ
مُذْ قيلَ للأرضِ دوري ، والشموسِ قفي
وصِيحَ بالأزل المخـتوم : يا أزلُ
ألواحُ هذا دمٌ . . صن كل أحـرفها
فمنه . . من رافـديه الخير ينتـقلُ
أقـام قُطْبَيْه . . ضوء الله في قطب
وآخرَ المــاء طُرَّاً منه ينهـتـلُ
مشيئةُ الله أن يُـسقي . . ومن دَمِـهِ
يخضر للناس ما ذروا .. وما شَـتَلُوا
هو العراق .. عروقُ الأرض أجمعُها
دماؤه .. كل ما عَـلُّوا .. وما نهـلوا
هو العراق .. ثَكُلتْ الأرض لو سقَطَتْ
وريقـةٌ ما بـها من مـائنا وشــلُ
فـيا أوَيـلادَنا هـذي مـراضـعُكم
بهن من ألفِ جيلٍ يُضرَبُ الـمَثَـلُ
ويـا أوَيـلادَنا ..عُـذراً إذا دُميَـتْ
قـلوبنا .. إن بعض الصبرِ يُفتَعَـلُ !
نُـرى جُـفاةً .. وكلٌّ بيـن أضـلعه
مرزابُ دمعٍ عليه الصدر ينـقـفل !
ونَـدَّعـي أنَّـنا صخـرٌ منـاكـبُنا
لكنها تحت ثـقْلِ الثـوبِ تنهــدل !ُ
وما سَـلَـوْنا ، ولكن القلوبَ غَـدَتْ
عنكم بآثـارِكم في الــدارِ تنشغـلُ
ويـا أوَيـلادَنا .. لسـنا نقـولُ كما
قالوا ، ولا نفعلُ الفعلَ الذي فَعَلــوا
لكن نظلُّ ليومِ الـدِّين نســألهم
عنكم ، فأكـرمُ خلْقِ الله من قُتِـلوا ..