(50)
قلق النهايات
سرابك بين أوردتي يجولُ
فبي عطش المتاهة يا بتولُ
أراك فأغتدي كلي عيوناً
وألسنة ولكن لا تقولُ !
وفي رئتيّ ألفُ جناح شوق ٍ
يطيرُ بريشها قلقٌ خجولُ
فلا أنا مفصحٌ عمّـا أعاني
ولا وجعي على صمتي يزولُ
|
 |
(50)
قلق النهايات
سرابك بين أوردتي يجولُ
فبي عطش المتاهة يا بتولُ
أراك فأغتدي كلي عيوناً
وألسنة ولكن لا تقولُ !
وفي رئتيّ ألفُ جناح شوق ٍ
يطيرُ بريشها قلقٌ خجولُ
فلا أنا مفصحٌ عمّـا أعاني
ولا وجعي على صمتي يزولُ
(51)
لولا
مثل سرب الحمام بللها الماء
قلبي
كان وجهك قربي
وهو ينبض
ينبض
بينا شفاهي تمر على خدك المتورم
تبلغ منعطف الثغر
أوشكت أن ..
ونظرت لعينيك ..
الله ..!
كم كان وجهك يسبي
وكم كان صمتك يسبي
وثغرك بالطهر ينبي
وبالشوق ينبي
ولولا نداء كسرتِ به كل أجنحة الطير
لانزرعت من مناقيرها في شفاهك
غابة حب
هل الذنب ذنبي ؟
لماذا تكونين ابعد من أيما نجمة
بينما أنت جنبي ؟!
(52)
مياه النور
تشرق الشمس شمسين
أنهار ضوء تشعشع والعين
مبهورة تبحث النور من أين ؟!
ما تعلمت
ستين عاماً طويت
ولا .. ما تعلمت
ها هي تحسر أردية الغيم عن ضوئها ..
أي منفرج للمجرة هذا ؟!
أرأيت ؟
لو أن الكواكب تجتمع الآن
تملك أن تتلألأ بين غلائلها
مثلما يتلألأ مجرى جداولها ؟
وتكابر أنك من ألف نبع شربت
ومن ألف نبع سقيت
وستين عاماً طويت
ولا ما تعلمت
ها هي تمنحك الآن أصفى ينابيعها..
أي عين لها مثل هذا المدى
للتزلج ؟!
أي دم يملك الآن هذا الندى
للتوهج ؟!
وهي تحاول ..
كن باسلاً
وافهم الآن أنك دمعتها
وابتسامتها
أنت قامتها
فحذار حذار
وويلك لو تنثني !
كن كبيراً ولا تنحن
فهي تمنحك الآن فرصة أن تنتقيها
وأن تتألق فيها
وكل المياه التي في ينابيعها
أنت أول من يتقيها
وآخر من يتقيها ..!
أيها النور
يا أيها النور
أمواج بلور
تنسكب
القلب ينسرب
الأرض أجمعها بي تدور
وهي واقفة لصق ثغري
مهدلة فوق صدري
وأنا ..
كالمغيب أرنو إليها
رغوة الماء في مقلتيها
وضعت يدها في يدي
كان كل الندى في يديها !
(53)
عيون الماس
كنت منذ الصغر
أسهر الليل محتفياً بالقمر
أرنو إلى أول وجه أصادفه
ثم أدعو ..
منذ أن كنت طفلاً عرفت الدعاء
وتعودت أن أستجير السماء
نجمة
نجمة
ثم أفقدها في ليالي الشتاء
أنت تدرين
كنا ننام على السطح في الصيف
والنوم فوق السطوح
مجاورة لطمأنينة الله !
نحصي النجوم
ونراقب كيف تصير الغيوم
أوجهاً ورسوم
تختفي ثم تطفو
بينما نحن نغفو
وتهاويلها في كرانا تعوم
غير أني
كنت أبقى أتابع وجه القمر
كم أطلت السهر
تحت هالته
كم حلمت به زورقاً في نهر
وأنا فيه أسبح بين الغيوم
وألم النجوم
ثم يصبح بدراً
أتدرين
كنت أخاف من البدر
تشعر أمي
فتضم عظامي إليها
وتهمس لي أن أسمي !
مرة في أصيل
راعني وهو يصعد بين النخيل
قانياً كان
محتقناً كالقتيل
فارتعبت لمنظره في السماء
عندما نمت ليلتها
كنت أحلم أني
أعوم على بركة من دماء
منذها
وأنا أتجنب أن أتأمله
حين يغدو بهذا البهاء !
تعلمين لماذا أحب القمر ؟
دافئاً وحميماً أحس به
ورحيماً أحس به
رغم معرفتي أنه لا يدوم
ورغم الذي يعتريني لغيبته من وجوم
ستقولين لي : والنجوم ؟!
قد تأملتها
وتحملتها
في ليالي الهموم
كنت أحسبها نجمة نجمة
كم بدت لي بعيده
لا يلاذ بها ..؟
كم بدت رغم كثرتها لي وحيده ؟!
إنها خالده
أنا أدري
فستين عاماً تأملتهن
وواحدة واحده
كنّ يرمقنني بعيون من الماس
نائية
بارده !
غير أني عشقت القمر
كانت أمي تقول له :
يا حبيب
ولدي لايغيب !
ومع الوقت خيّل أنه يستجيب
فعلقت به
وكأن بيننا
خيط حب غريب ..
(54)
وصية
إن صحت السماءْ
من هذه السحابه
إذا أفقنا كلنا من هذه الكآبه
وعدت يوما ما إلى الكتابه
وليس لي علمٌ
متى
أو أين
لكنني لي دين
عليك يا ماسية العينين
أن تكتبي عن شاعر
دقت عليه بابه
صبية باذخة النهرين
شديدة الغرابه
ظن بها الظنون
قيل لهْ
إن الذي فيه لها جنون
لكنه كان بها أسعد ما يكون ..
جفت به عيون
وانبجست عيون
أحس في الستين أنه ابتدا شبابه !
إن عدت يوما ما إلى الكتابه
تحدثي عن شاعر
دقت عليه بابه
صبية
ما علمت
بأنها من دون قصد
أيقظت عذابه !!
(55)
البجعة المهاجرة
يا رفةً بيضاء
فوق بحيرة البجع
في أي منتجع
نسلت ريشك
ثم جئت لتوقظي وجعي ؟!
(56)
إلى بتول
مري على قلقي مرّ العصافير
فإن وجدت به محض الأسى طيري !
وزقزقي حوله يا رُبّ أجنحة
طافت به والهوى ملء المناقير
لكنه كان لا يلوي لعابرة جناحه
فهو مشغول المشاوير !
ظل الهوى شِعره والشعر شهقته
إلى الهوى فهما مثل المزامير
قد يملآن به الدنيا إذا اجتمعا
وقد يعافانه رهن المقادير !
مري عليه مرور المشفقين ولا
لا تُكثري لومه من دون تقصير
حتى ولو زل كوني عون سقطته
فصاحب الجرح نهب للأعاصير
يا أنت يا وجع الدنيا بأجمعها
أغفى ضيائي وغافتني نواطيري !
(57)
الجنوح
سوف أخرج من عالم الماء للأرض سيدتي
سأجفف قلبي
وأجفف أوردتي
جاهداً سأحاول ألا أطرطش في الماء
ثانية
نحن جزنا زمان الطفولة !
أنت أصبحت سيدة
وأنا موغل في الكهولة !
ولهذا
سأسمع ما تنصحين به
سوف أخرج من عالم الماء
للأرض
حتى يدي
سأجفف منها الندى
وسأمنع عيني أن تدمعا في الليالي سدى
وسأوصي غيومي ألا تعذب أنفسها بالمطر
وأوصي نجومي
ألا تجمع أنداءها حول ضوء القمر
لا تكوني دموعاً
وكوني حجر !
حسناً
نحن في الأرض سيدتي
وسأجرؤ أن أسأل الآن
في أي أرض أردت لنا
أن ننشف أثوابنا ؟
وننشف أهدابنا ؟
في العراق ؟
بعمان ؟
أم في البلاد الغربية ؟؟
أم أنه مطلق الماء ؟
واخترت لي مطلق الأرض
منشفة لمياهي الحبيبة ؟!
ليكن
سوف أنتصب الآن عوداً بلا نسغ
وبلا خضرة
أو ندى
وسأترك بيني وبين ملاجئ عمري مدى
وسأنظر ..
ماذا سيمنحني الرمل والصخر غير الردى ؟!
ليكن
أنت تقترحين لي الأرض مرسى
واقترحتي لأشرعتي الماء مرسى
فإذا كان للأرض فعل كمثل صلابتها
وكما شئت أن تمنحيها
فسأبحث عن شفتيك مدى الظل فيها
وسأبحث عن شفتيك مدى الشمس فيها
ولعل المياه التي أترعت غربتي بالعطش
تودع الري في هذه الأرض
أو ما يليه ا..
(58)
كتابة على الماء
ما أجمل أن نكتب شعرا ً !
نتتبع أمواج الكلمات
وأشرعة الكلمات
نركض والمجرى
نعبر للضفة الأخرى
نضحك
نبكي
ونحب
ونعرى
أنبل ما فينا يعرى
الروح
الطفل المجروح
في داخلنا يعرى ويطرطش في الماء
يكتب في صفحته أسماء
يمحو أسماء
للهو وللذكرى
للهو
وللذكرى
للذكرى ..
يا للأوهام
بعد ثلاثة أيام
تصبح كل حكايتنا ذكرى
ما أوجع أن نكتب شعرا ..!
(59)
يا آخر الوهج الخضيل
عودي لنبعك لا تسيلي
يا أدمع الوجع الجميل
عودي فكل عذابنا
سيجيء من بعد الرحيل
ما زلت في الزمن الجريح
فكيف في الزمن القتيل
أدري بشمعة مقلتيك
تضيء في الألم النبيل
لاتطفئيها بالدموع
فينطفي معها دليلي
يا أنت يا أندى الندى
يا آخر الوهج الخضيل
يا قطرة من ماء دجلة
لألأت وسط النخيل
سقت الدنى لكنها ما
أطفأت يوما غليلي
لاتذرفي ريعان دمعك
للعذاب المستحيل
فلنا غد وجع يطير من
الدموع إلى العويل
(60)
دموع الروح
الآن أبكي بدمع الروح لا المقل
الآن ما عاد لا يأسي ولا أملي
في لحظة بين إن كانت هنا ومضت
أصبحت عود ثقاب جدّ مشتعل !
أهكذا الروح أيضاً تنحني ؟ وإذن
ماذا تبقى بهذا الصرح لم يمل ؟!
في لحظة شاخت الأوجاع أجمعها
حتى الندى شاخ في ينبوعه الخضل !
الله قد ترحل الدنيا بآهلها على
حقائب شخص عنك مرتحل !
(61)
ياجناح البجع
كل يوم وداع
كل يوم سفر
يا ليالي الضياع
أين منك المفر ؟
كل يوم نقولْ
جرحنا قد غفا
ياحكايا بتولْ
لا طواك العفا
غلغلي في الضمير
رغم هذا الوجعْ
واحترسْ إذ تطير
ياجناح البجعْ
فلنا في سماك
ريشة من سنا
صن هواها هناك
صن هوانا هنا
ياجناح السنا ..!
(62)
غاف وصوتك في إغفاءتي مطر
غاف وصوتك كالأحلام يأتيني
يجتاز سمعي ويجري في شراييني
أحسه في دمي حيناً وأسمعه
مثل الفواخت بين الحين والحين
تهمي بقربي على وهن مدامعه
جري المزاريب أبكيها وتبكيني !
غاف .. وصوتك في إغفاءتي مطر
يلهو بنافذتي نقر الحساسين
يدق فوق شغاف الروح يوقظها
فتستفيق دموع بالملايين !
تبكي على كل سطر كنت أكتبه
حتى لتغرقها حد العناوين
يا أنت يا وجع الستين أقتله
أني أناهض عشريناً بستين !
لو تسألين "مياه النور" هل نبضت
فيهن أشواقنا نبض الدلافين ؟
هل ما نزال على ما كان من وجع
كل بجرح بأبهى الشعر مسكون
أم صرن جوفاً نشازاً كل أحرفنا
مثل الضفادع بين الماء والطين ؟!
عاهدتني أن تكوني زهو قافيتي
وأن تضيئي نذوراً في طواسيني
فهل وفيت ؟ أأسرجت النجوم على
مواقد الثلج ...؟ يادفء الكوانين ؟
إذن فما خاب ظني فيك يا لغتي
ولا تجمدت برداً يا براكيني
"بتول" ما برحت تحكي حكايتها
وما أزال لها أزجي قرابيني !
إني لأنظر من شباك مكتبتي
فأسمع الصوت عن بعد يناديني
بيني وبينك عهد أن أضيء هنا
وأن تظل على نأي تناجيني .!
(63 )
القبلة الأولى
كنتُ أعلم كيف سترتجفينْ
كيف كلّ مسامات جلدك تشهق مذعورة
ثم تسكن مبتلة بالحنين ..!
كنت أعلم كيف سيصفر وجهك
يحمر وجهك
كيف أصابعك الثلج
ينبضنَ
تنهض فيهن أشرعة لا تبين
ثم يبحرن ملء دمي
وفمي
مطبق في جنون على شفتيك
وشيئاً فشيئاً
صهيلك مهرته تستكين ..!
كنت أعلم كيف ستنخلعين
من جذورك يا زهرة الياسمين
وأعلم أنك
عند انخلاعك
في كل أوردتي تنبتين ..!
(64)
الانتصار المدهش
مثلما تتألق نحلهْ
وتموت بذروة نشوتها
وهي تلدغُ فارسها
ستموتين في كل قبلة !
كيف علمتني كل هذا
رغم أنك طفلة ..!
(65)
انكسار
لا تحاسب هواها
أنت أحببتها بشراً لا إلها !
(66)
قلق على نجمة تائهة
كنتُ أبحث عنها وراء السحاب
كلما ارتفعت
كان جذعي يطول
كيف أرجو إليها الوصول
لو هوت في التراب
من سيفهم هذا العذاب ؟؟
(67)
ضياع الآلهة
كانت على يدها مياهي
كانت هناك مجرتي
ودمي
وشيء من شفاهي
واحسرتاه
أنا أفتش في حطامك عن إلهي !
(68)
من وصايا الآلهة
لحظة تغرق بين مياهي
لحظة تمتص شفاهي
لا تفتح عينيك
أنت إلهي
لا تصبح عبداً فتُراقب
كيف أذوب عليك !
إن أكن أنا معبودتك
أو أكن عبدتك
كن كبيراً وثق بي
لا تصغّر هواك
إن قلبي
عمره لم يلامس سواك !
(69)
يا ضوء روحي
علمتني أنت الصغيرة
كيف النفوس إذا أحبت
تغتدي مدناً كبيرة !
علمتني
أنت التي ما زلت أصغر من صغاري
كيف المحب يصير دار الناس
وهو بدون دار !
علمتني أنت الصبية
كيف الحبيبة حين تسرج قلبها تغدو نبيه !
ياضوء روحي
علّمت هذا الشيخ
كيف يضيء نبراس الجروح
وأريته كيف الهوى القديس للشعراء يُوحي ..!
(70)
الخيبة
ستبيعينني عند أول منعطف للطريق
لعدو سيذبحني
أو صديق
بينما أنت تجرين خلف البريق
وغداً ..
عندما تشعرين بأنك وحدك
تقتنعين بأي أنيس
على الدرب قد يستفيق ..!
(71)
يا بعيدون
نصف قلبي هنا نصف قلبي هناك
يا بهي السنا أين منا سناك ؟
كان كل الغِنى في هوانا غناك
والهنا والمنى أن تُداري مناك
ثم عاد الشجن والفراغ الطويل
وانتظار الزمن في سراه الثقيل
يا بعيدون عن مائنا والنخيل
هل وجدتم وطن عن ثرانا بديل ؟
نحن نبقى على جمر ذاك الفراق
لا انطفأنا ولا ملّنا الاحتراق
فاسألوا من سلا أي دمع أراق
وهو يمضي إلى غير أرض العراق !
(72)
إلى صديقتها
أرأيتِ إلى الملعبين ؟
كيف دار السنا
بين ظلي وبيني ؟
أرأيت لصوتي ؟
أرأيت لعيني ؟
أنا أعلم أن البرود مكابرة
عدم الاهتمام مكابرة
غير أن يصعد الثلج للمقلتين !
إنه الموت حدّ انجماد العيون
يا لفقر الندى إذ يهون
وهو يبحث عن ملجأ لقطيراته
كائناً ما يكون !
كنتِ جنبي
لمَ لم توصدي باب ذاكرتي ؟
لم لم توصدي باب قلبي ؟
أنتِ تدرين أن دمائي تُرى
وبكائي يُرى
رغم أن جميع منافذ روحي مغلقة
كيف إن تفتحيها ؟
أوصديها
وليكن بيننا
أنّ رفة جنح كجنح البجع
خفقت بيننا ذات يوم
وإذ سقطت
تركت في شواطئنا
كل هذا الوجع !
(73)
أم أنك قد هجرت البحر
وعدتُك أن أضيء الشعر قنديلاً لذكراك
وعدتك لست أنساك
وقلت سأجعل العينين نهراً حين ألقاك
لكي تصلي مبللة بأمواجي حناياك
عسى تجدين مرساك !
وعدتك أن أناجيك
وعدتك أن يكون دمي
غيوماً في روابيك
إذا مطرت يفكّ الشوق كل مسامة فيك
وقلت غداً ألاقيك
غداً بجميع أوردتي أطوف على مغانيك
وأسقيها ، وأسقيك
فهل ما زلت أنت كما
تركتك قبل أن أمضي ؟
أزَرعي لم يزل زرعي .. وأرضي لم تزل أرضي ؟
أم أني غارق في الوهم بعضي خادع بعضي ؟
فلا ضغطي ولانبضي
يريني منك إلا ما
تراه العين في الغمض ؟!
وهل ما زلت كلأمس
رفيف الروح في نفسي ؟
وتنتظرين ... مثل البحر
أين قصائدي تُرسي
زوارقها ...؟ وتنتظرين
مرفأ قلبك القدسي
يضيء لكل أشرعتي
لتصبح فيه أو تمسي
أم أنك قد هجرت البحر
وانحسرت شواطيك ؟
وصار النجم غير النجم
يلمع في دياجيك
وعافتنا لياليك
ليسهر غيرنا فيها
ويسقيها .... ويسقيك ؟
ضوابط المشاركة
رد مع اقتباس