الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
أيها الإخوة في الله :
في هذه الأيام تبدأ الامتحانات ، وهي أيام عصيبة بلا شك على نفوس الطلبة والطالبات ، والآباء والأمهات .
ومع هذه الامتحانات تتجدد المواعظ والعبر ، إذ أن المسلم ينبغي له أن يكون معتبراً بالحوادث التي تمر به خلال سيره إلى الله عز وجل والدار الآخرة فمن فعل ذلك فليبشر بحياة قلبه ونجاته عند ربه ، وأما الغافلون فهم أموات غير أحياء ، ولربما كانوا يوم القيامة من الهالكين الأشقياء .

فمن الدروس والعبر في هذه الأيام :
أن يعلم الناس جميعاً أنهم سيسألون ويُمتحنون دون استثناء لأحد كما قال الله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) (الصافات:24)
وقال الله تعالى : ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر: 92 و93 ) .

روى الطبري (رحمه الله) بسنده عن أبي العالية أنه قال : يُسأل العباد كلّهم عن خلتين يوم القيامة : عما كانوا يعملون وعما أجابوا المرسلين . أ.هـ .
فهذا ــ عباد الله ـ درس عظيم لمن وفقه الله لفهمه والعمل به والاستعداد له .
واعلموا ــ عباد الله ــ أن أسئلة الآخرة تبدأ منذ إدخال الميت قبره فتبدأ هناك ثلاثة أسئلة تدور حول العقيدة والتي إن صلحت في الدنيا صلح حال العبد في الآخرة ، وإن شابها شيء من الشرك أو البدع أو الشبهات فبحسب درجة تلك الشائبة فإن كانت مكفرة ــ عياذاً بالله من الكفر ــ فصاحبها شقي تعيس بئيس مأواه جهنم فبئس الأنيس ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) آل عمران:91
وهذه الأسئلة معلومة عند كل أحد منا ، وأبناؤنا يدرسونها بحمد الله في المرحلة الابتدائية ، ولكن الموفقَ للإجابة عنها في الآخرة هو من وفقه الله للعمل بها في الدنيا وهذه الأسئلة هي : ( من ربك وما دينك ومن نبيك ) فاحفظوها عباد الله وتعلموا مضمونها ومدلولاتها وما تدعوا إليه فهي مهمة جداً لأنها مفتاح السعادة أو الشقاء . وعليكم بعد العلم العمل بها وتعليمها أولادَكم ومن ولاكم الله أمره . وهي تسمى أيضاً : الأصولُ الثلاثة أو ثلاثة الأصول ولها شروحات لأهل العلم طيبة موسعة ومختصرة .
واعلموا ــ وفقكم الله ــ أ، في دراستها وتعلمها بركة ومنفعة كيف لا ؟ وهي تأصيل للعقيدة بكل معانيها ، فعلى قدر فهمها وتطبيقها تكون السعادة وعلى قدر تضييعها وإهمالها ومخالفة مقتضاها تكون الشقاوة عياذاً بالله .
وأما أسئلة الآخرة فهي أربعة أسئلة في العمل قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدمُ ابنِ آدمَ يومَ القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه ، ومالِه من أين اكتسبه وفيم أنفقه وما ذا عمل فيما علم ) رواه الترمذي وحسنه الألباني .
فانظر يا عبد الله في أمورك منذ اللحظة ولا يفوت عليك العمر فتعجزعن تحصيل ذلك فيكون ــ عياذاً بالله ــ الفشل والسقوط ولكنه سقوط قاسٍ قد طرد هولُه النوم من أجفان العالِمين ، فأسهروا ليلهم وأظمؤوا نهارهم وتركوا نعيم الدنيا وشهواتها خوفاً من أن يُحرموا نعيم الآخرة وملذاتها . فما ذا قدّمنا أنا وأنت أخي في الله لننجو به بعد رحمة الله من أهوال ذلك اليوم ؟؟

ومن الدروس والعبر في هذه الأيام :
أن نتذكر عباد الله أن لا ملجأ ولا ملجأ من الله إلا إليه فلنخلص الدعاء فإنه نعم المولى ونعم النصير فكما قال الله تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) )(النمل: من الآية62) .
فعليكم بصدق اللجوء إلى الله فإنه نعم المجيب لدعاء المخلصين من عباده كما قال الله تعالى : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ......... َ) الآية (الأنعام:64و63) .
والامتحان ــ إخوتي في الله ــ كرب من الكروب التي تمر على الطلاب في كل عام ولكنه يسير على من يسره الله عليه وقد علم أن له رباً يفرج الكروب ويغفر الذنوب ويقبل توبة التائب إذا تاب ويجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف عنه الهمّ والغمّ ويصرف عنه السوء ويدفع عنه البلاء والمحن وسوء العواقب . ولقد وجه الله نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا ضاق صدره بأن يلزم التسبيح والعبادة فقال الله تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر 97ــ 99 ) .
فإذاً أكثر أيها الطالب من التسبيح والصلاة كلما ضاق صدرك من كربة الامتحان ولا تترك هذه العبادة حتى الموت والتزم بها عند الفرح وعند الحزن وعند الضيق وعند الفرج وفي الرخاء والشدة . ولتبشر بالخير والتوفيق من الله عز وجل والسعادة في الدارين . قال الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) (البقرة:45)
ومن الدروس ــ عباد الله ــ :
أن نحرص على تطبيق عبادة جليلة من العبادات القلبية التي لا يطّلع عليها إلا الله ألا وهي : التوكل على الله فلعلّق الطالب وأولياء الطالب آمالهم بالله u فربما يكون الطالب قد حفظ كتابه حفظاً متقناً فلا يغنيه ذلك عن الله عز وجل مع أنه مأمور بفعل الأسباب.
إذاً فلتبرأ ــ أيها الطالب ــ إلى الله من حولك وقوتك فلا تعتمد على ذكائك وفهمك ولا على جدك واجتهادك ولكن عليك بالتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفي به سبحانه ولياً ونصيراً ومن كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فهي كنـز من كنوز الجنة ومفتاح من مفاتح الخير للإنسان إذا تبرأت لله من جميع إمكاناتك واعتقدت أنها لا تغني عنك شيئاً بنفسها إلا بشيء أراده الله ، فحينئذٍ يكمل الله نقصك ويجبر كسرك ويقرّ عينك بالنجاح والفلاح ، بشرط أن تسلم نفسك لله وتعمل بأسباب النجاح من الحفظ والفهم فإن الله يوفقك ويلهمك ويسددك . (من كلمة لفضيلة الشيخ محمد المختار الشنقيطي المدرس بالمسجد النبوي ــ بتصرف ) .
فقد قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(الطلاق: من الآية3) .

ومن الدروس (الإيمان بالقضاء والقدر ) :
فهذا أحد أركان الإيمان الستة التي أُمرنا بتحقيقها حتى ننجو من الهلكات في المحيا والممات ، فمن لم يُحقق هذا الأصل فقد اختل إيمانه وسقط أحدُ أركانه فهلك يوم يهلك الهالكون وينجو الموحدون .
فاحذر يا عبد الله أن تقول كيف حصل هذا الفشل لي أو لولدي ، وهو كدّ واجتهد وفعل وثابر وتعب . لا !! يا عبد الله ليس ذلك من أخلاق المؤمنين ، فأنت ــ أخي ــ مأمور بفعل السبب وأما النتائج فعند من بيده مقاليدَ الأمور ، لا تقل كيف أسقط وينجح فلان أو كيف ينجح فلان ويسقط ولدي ، لأنك لمست من ولدك الحرص والمثابرة ومن غيره الكسل واللعب فيأخذ ذلك الأمر فيك كل مأخذ حتى تتفوه بكلمة قد تُردي بك في قعر جهنّم وأنت لا تدري .
فهذه ــ أخي في الله ـ أمور قد قدرها الله قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة فلذا يجب عليك أن تعتقد اعتقاداً جازما لا مجال في للشك أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن الأمور تجري بمقادير فمهما دقت ومهما عظمت هذه الأمور فلا تخرج عن قدرالله u قدر أُنملةٍ كما قال تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)
فكن راضياً بقضاء الله وقدره ، فإنما يفعل الله ذلك لحكمة أرادها إما ابتلاء واختبار ليعلم من يصبر في الضراء ويشكر في السراء ويحمد في السراء والضراء ، أو ليدفع عن العبد بلاء يصيبه إذا أصابته هذه السراء فمينعها الله عنه ليقيه بلاءً أعظم من حزنه لأجل تحقيق رغبته . فكن على يقين أن الله رحيم بعباده لطيف بهم يبتلي باليسير ليدفع عن عبده الخطير من البلايا والشرور التي لا يعلمها إلا هو سبحانه . فكن راضياً ولا تتسخط فقدر الله نافذ لا محالة فإن هذه أوصاف من حقق العبودية لله عز وجل . فإياك أن تغيب عن بالك ويوسوس لك شيطانك ويبعدك عن عبودية ربك جل وعلا .
قال الله تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2و3) .

ومن الدروس والوصايا للطلاب : التواضع وعدم الكبر والإعجاب بالنفس في حال الإجابة الطيبة ، أو التعالي على من أخفق وانكسر قلبه بعدم الإجابة المرضية . وكذلك حفظ لسانك عن الغيبة والنميمة والاستهزاء بعباد الله والسب والشتم للمدرسين الذين أمضوا عاماً كاملاً يوجهونك ويعلمونك حتى درجت وبلغت مرحلة من التعليم يشكرون عليها ــ بعد الله ــ أو تستهزئ وتتعالى أو تسب وتشتم زملاءك الطلاب فهذا كله من سوء الأدب بل وعدم الرضا أيضاً بالقضاء والقدر فالذي يتسخط عند المصيبة لم يرض بقضاء الله وقدره وربما يكون هذا اعتراض منه على أقدار الله فيخرج من الملّة عياذاً بالله .