بسم الله الرحمن الرحيم
بالأَمَسِ البعيد صَرَخَ أَميرُ الشُّعراءِ أَحمد شوقي بِسُورِيَّةَ ودِمَشْقِهَا وما عانته من الثورة ضد الحملة الفرنسية واليومَ يُعِيدُ التَّاريخُ نفسَه بآلامٍ كتلك الألآم وجراحاتٍ كتلكَ الجِرَاحَات فترتفعُ الصَّرْخةُ وتشْتَدُّ الوَطْأَةُ طَلَبَاً للحُريَّةِ والعَيْشِ بسلامٍ وأَمَانٍ والخَلاَصِ من الظُّلم والاستبداد والقهر، ولا مجيب ولا معين سوى الكريم الرحمن،وعلى خُطَى قصيدةِ شوقي (سَلامٌ مِنْ صَبَا بَرَدَى أَرَقُّ ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ) تسير هذه القصيدة :
عَذَابٌ مِنْ لَظَى بَرَدَى أَشَقُّ=وَقَتْلٌ لاَ يُصَدَّقُ يَا دِمَشْقُ
وَإِرْهَابٌ يُصَبُّ بِكُلِّ لَوْنٍ=عَلَى شَعْبٍ بِهِ الإِجْرَامَ دَقُّواٌ
عَلَى شَعْبٍ بِهِ الأَحْرَارُ نَادَتْ=تُصَانُ مَكانَةٌ وَيُعَادُ حَقُّ
وَمَنْ ذَاقَ المَرَارَةَ عَنْ هَوَانٍ=تَصَاغَرَ في مَرَارَتِهِ الأَرَقُّ
وَمَنْ فَرَضَ القَسَاوَةَ في جَفَاءٍ=فَسَوْفَ يَؤُولُ في يومٍ يُعَقُّ
يُعَادُونَ الكَرَامَةَ في عِنَادٍ=وَيُعْلُوْنَ الجَهَالَةَ وَهْيَ رِقُّ
بَكَتْ عَيْنِي عَلَى طِفْلٍ بَرِيءٍ=بِهِ الطُّغْيَانُ عَنْ صَلَفٍ يَدُقُّ
فَلاَ شَيْخٌ يُهَابُ وَلاَ رَضِيْعٌ=وَلاَ بِنْتٌ تُوَفَّرُ وَهْيَ عِذْقُ
وَكَمْ نَاحَتْ بِحُرْقَتِهَا حَمَاةٌ=وَحِمْصٌ،دُوْنَ صِقْعٍ مَا يُشَقُّ
لَحَى اللهُ الكَرَاسِيَ إذْ تَرَاءَتْ=لَهُمْ حَقٌّ وَلاَ غَيْرٌ أَحَقُّ
مَتَى كَانَ العِبَادُ لَهُمْ عَبِيْداً=مَتَى خَضَعَتْ لَهُمْ في النَّاسِ عُنْقُ
بِنَفْسِي مِنْ جِرَاحَاتِ الثَّكَالَى=دُمُوعٌ مَا لَهَا في العَيْنِ سَبْقُ
بِلاَدٌ ثَارَ عَاشِقُهَا لِتَحْيَا=جُمُوعٌ صَوْتُهَا رَعْدٌ وَبَرْقُ
دَمُ الثُّوَارِ يَبْذُلُهُ شَبَابٌ=فِدَى الحَسْنَاءِ مَهْرَاً فيه عِتْقُ
عَلَى أَنَّاتِ شَوْقِي قَدْ أُعِيْدَتْ=هُمُومٌ مَا بِهَا في الضَّيْمِ فَرْقُ
وَمَنْ طَلَبَ النَّجَاةَ بِغَيْرِ حَرْبٍ=دَهَتْ مِنْ دُوْنِهِ خَسْفٌ وَحَرْقُ
وَلِلذُّرِّيَّةِ الحَمْقَاءِ جَذْرٌ=لَهُ في القَتْلِ أَشْلاَءٌ وَعُمْقُ
سَمَا في كُلِّ ضَاحِيَةٍ أُسُودٌ=لَهُمْ في المَجْد آفَاقٌ وَأُفْقُ
تَظُنُّ لِقَسْوَةِ الأَخْبَارِ عَنْهُمْ=مُبَالَغَةَ الوَقَائِعِ وَهْيَ صِدْقُ
أَلَيْسُوا إخْوَةً حُرَّاً كِرَامَاً=وَيَرْبِطُنَا بِهِمْ دِيْنٌ وَعِرْقُ
أَلاَ يَا جُنْدَ أُمَّتِنَا فَهُبُّوا=وَاَلْقُوا عَنْهُمُ الأَغْلاَلَ أَلْقُوا
وَذُودُوا عَنْ حِمَى شَعْبٍ مَجِيْدٍ=وَفُرْسَانٍ لَهُمْ في الحَرْبِ طَرْقُ
نَفَاهُمْ مِنْ تُرَابِ الأَرْضِ بَطْشٌ=وَفَرَّقَهُمْ لِقَاءَ الأَهْلِ حُمْقُ
تَرَاهُمْ في بِقَاعِ الكَوْنِ حَيْرَى=وَفِيهِم مِنْ نِبَالِ الظُّلْمِ رَشْقُ
بَنِي سُورِيَّةَ اتَّحِدُوا جَمِيْعَاً=حِرَاكٌ مَا بِهِ غَرْبٌ وَشَرْقُ
وَكُونُوا في مَعَاقِلِكُمْ حُمَاةً=وَفِي إخْلاَصِكُمْ لِلهِ نُطْقُ
وَقَفْتُمْ بَيْنَ مُعْتَرَكِ الضَّحَايَا=وَفي أَنْفَاسِكُمْ لِلصَّحْبِ خَفْقُ
حَمَلْتُمْ رَايَةَ التَّوحِيْدِ ذُخْرَاً=فَشُدُّوا عَزْمَكُمْ وَالخَيْلُ بُلْقُ
ثَبَاتَاً مِنْ لَدُنْ رَبِّي ثَبَاتَاً=وَنَصْرَاً في الوَغَى يَا رَبِّ تَلْقُوْا
وَلِي مِمَّا بَكَتْ مِنْهُ الْلَيَالِي=بُطُولاَتٌ لَهَا في المَوْتِ عِشْقُ
فَلاَ وَاللهِ مَا في الذُّلِّ خَيْرٌ=وَلَيْسَ وَرَاءَهُ لِلْعَيْشِ حِذْقُ
شعر / بلبل تهامة الأحد 7/2/1433 هـ