امرأة تُعلمك كيف تكون بحضرتها ليس رجلاً فقط ... بل وشاعراً ...
يتعلم كيف يَعّثُر على لؤلؤة الكلمة المناسبة ؟ ...
ليعلقها أقراطاً بأذنيها في الوقت المناسب .
و بين الرجل فقط و الشاعر فرقْ ...
فرقٌ لا يعرفه ...
إلا امرأة يعود أجدادها لقبائل تصنع السيف ...
لترسم البرق على جباه الأعداء ...
تنتسب لقبائل تشرب رحيق المجد ...
و تُسقي حقول القمح كؤوس المطر .
امرأة وأنت تحادثها تحس أن البحر أصبح بشفتين من ورد ...
تغرقك بموجة و تنقذك بأخرى .
امرأة تُزين مِعصمها بأبيات قصيد ونحرها بقلادة للـ ( متنبي ) .
ترتدي حدائق من زهر و تتعطر بقارورة شِعر .
أذكر أنها قالت لي ذات رائحة : لستُ كما وصفتني .
و أذكر جيداً أني قلت لها : الوردة لا تشم نفسها .
امرأة تأتيك كالبشارة بقدوم الحياة لحظة الوفاة .
امرأة من ترياق جَمال و قصب سكر .
و أنا ...
في حلم استوائي ... في بلد بدائي
تخيلت نفسي ساعي بريد يجوب أزقة ( غرناطة ) .
كل الأشجان كانت تتجه مباشرة نحو عنوان بيتها ، باب غرفتها بالتحديد ...
حيث الثلج يتزاحم طلباً لدفء يديها.
سلمتها كل الرسائل .
بكل رسالة كان هناك قلب تُخرجه وتضعه في مكتبتها ...
بين الكثير من القلوب و الكثير أيضاً من كتب الحب .
هنا شاهدتُ قلبي الذي أرسلته لها منذ ولادتي ...
و بعض قصائد لي كتبتُها في حالاتٍ ...
تمثل القليل من نشوة الانتصار ...
و الكثير من خيبة الانكسار .
بغرفتها رأيت الغيم يُقبّل الشمس التي غطت وجهها بالليل خجلاً ...
كعذراء في خدرها ليلة عرس .
على الأرض سجادة من رمال لصحراء ...
بها طريق لقوافل أدمنت رحلة الشتاء والصيف .
امرأة تجمع بغرفتها كل ما هو جميل بفصول السنة و ألوان قوس قزح .
على طاولتها جلس ( زرياب ) يعزف ، وصوت ( فيروز ) يغني قصيدة لـ ( نزار ) .
الجدران بها آيات وأحاديث و صور لـ ( ناصر ) و رسوم لـ ( ناجي العلي ) .
ورق الجدران منقوش بشيء من قيد ( القدس ) و حزن ( بغداد ) و جُرح ( الرياض ) .
أظن أني لمحتُ بإحدى الأركان ( طارقاً ) وهو يلملم رماد المراكب .
على مقعدها الصغير رأيت الأمل يمسح دموع ( الخنساء ) عن المرآة
و يهمس للتاريخ بأن ينام قليلاً .
تركتني وذهبت لتنام أيضاً.
سريرها سحابة بيضاء تحتضن ملاكاً من قطن أشد بياضاً .
عندما هممت بالخروج استوقفني منظر لدُمى تمثل مسرحية ...
نسيَّ ( سعدالله ونوس ) أن يكتبها قبل الرحيل .
و ... خرجت ...
أقفلتُ الباب خلفي ...
أيقظني خوف أمي ...
كنت مبللاً بعشق ... فتدثرت بنوم .
في الغد وجدتُ بقربي فكرة ترتدي عباءة ( غوما ) ...
و تتقمص دور رجل دين يعقد قِراناً بين ورقة وقلم ...
ليُكسب الحرف شرعية الظهور أمام الناس ...
لقصة امرأة من حلم ...
تزرع بيدر القلب حُباً فيُثمر سنابل إيمان .
الكاتب : واحد من الناس