عقوبة من تبرم من قضاء حاجات الناس
بعد أن جعل الله حوائجهم إليه أو بسببه أو تحت إمرته وإدارته:
من ذلك :
ما جاء من تحذير مبين بزوال نعمة المتبرمين:
عن ابن عباسا قال :
قال رسول الله:
«ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه
ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم،
قد عرض تلك النعمة للزوال»([1]).
ومعنى (فتبرم) كما جاء في مختار الصحاح تبرم به :
أي سئمه وأمله وأضجره([2]).
وإذا التبرم هو : التأفف والسأم والتضجر وشدة الغم وضيق النفس.
والشخص المتبرم المقصود هنا في الحديث :
كل صاحب نعمة أدت إلى أن يؤول الناس إليه بسببها،
كالعالم والمفتي والداعية والمربي والأمير والقاضي،
والمسئول والطبيب والمحامي والتاجر والغني، ونحوهم من أفراد المجتمع
ممن أنعم الله عليهم بنعم جعلت لهم مكانة بين الناس
أو سلطة في المجتمع، أو فيها نفع متعد لغيرهم من الناس.
فإن مثل هؤلاء إذا تذمروا وتأففوا،
وضاقوا ذراعاً بالخلق بعد أن صارت حاجة الناس إليهم،
وتكبروا عليهم وأعرضوا عنهم وسئموا ذلك وتضجروا منه،
وأصابهم بسبب ذلك الغم وضيق النفس،
فإنهم معرضون لزوال هذا الفضل عنهم كما في الحديث السابق.
والتحذير الوارد في الأحاديث المتقدمة يدخل في عموم قول الله تعالى:
]ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ
حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[
[الأنفال:53]
وقوله جل جلاله:
]إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ[
[الرعد:11].
قال البغوي رحمه الله في تفسير الآية الأولى :
(أراد أن الله تعالى لا يغير ما أنعم على قوم
حتى يغيروا هم ما بهم بالكفران وترك الشكر،
فإذا فعلوا ذلك غير الله ما بهم فسلبهم النعمة)([3]).
وقال تعالى:
]وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[
[محمد:38].
قال القرطبي رحمه الله :
(وفي الآية تخويف وتنبيه لجميع من كانت له ولاية وإمارة ورياسة،
فلا يعدل في رعيته أو كان عالماً فلا يعمل بعلمه ولا ينصح الناس،
أن يذهبه ويأتي بغيره وكان الله على ذلك قديرا)([4]).
إن هذا الحديث برواياته تذكرة وتحذير لكل من أنعم الله عليه
وأولاه من المكانة المادية أو المعنوية،
ما جعله سببا لقضاء حوائج غيره، ثم لم يقم بها كما يحب الله ويرضى.
([1]) رواه الطبراني (7529) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2618).
([2]) مختار الصحاح (1/27).
([3]) تفسير البغوي (3/368).
([4]) تفسير القرطبي (5/409).
يتبع بإذن الله