حَديـثُ الوَرْدَتيـن
بقلم الروائي : مروان يوسف حسين
وردتان جميلتان التقتا ، نبتتا في أرض واحدة ، أينعتا معاً ، واستقبلتا نور الشمس والضياء معاً ....
الأولى بيضاء ، والأخرى حمراء ....
تبادلتا الأحاديث في لحظة صفاء خالية من الكدر
البيضاء : السلام عليكم يا جارتي العزيزة
الحمراء : وعليكم السلام ورحمة الله .. أهلاً بك يا عزيزتي ..والله إن لونك ليبعث في النفس صفاءً ، وفي الكون سكينةً وانشراحاً .
البيضاء : شكرا لك يا حبيبتي ...ولكن لا تنسي لونك الأخَّاذ الذي يملأ الحياة جمالاً، ويضفي على المناظر رونقاً وحسناً وبهاءً .
الحمراء : هذا من طيب لقياك ولطفك ..
البيضاء : يا الله ... ما أجمل هذا المكان .. ألا ترين يا أختاه ؟! بستان جميل.. أرض منمنمة بالزهور والورود والرياحين ، تحُفُّه الأشجار المثمرة بأطيب الثمار من كل حدب وصوب ؛ لا بل انظري إلى تلك البنفجسة الطموح التي لا تلبث تتمايل يمنة ويسرة ، مختالة بألوانها وقامتها لتصبغ المشهد بالحركة والحيوية والنشاط .....
ونهرٌ عذب رقراق ينساب من تحت هذه الأرض لتهبها الروح والنماء ...
هل رأيت تباشير الصباح ، وندى نسمات الفجر باكراً ؟ وهل رأيت روعة شمس الأصيل وهي تصبغ السماء بلون وردي زاهٍ لتزيد جمال صفحة هذه الرياض ..
إن الإنسان يشتاق إلينا اشتياق الطفل الرضيع إلى حضن أمه الدافئ ... يهرب من حياته الكئيبة ، يهرع من حياته المادية ليختلي بنفسه في هذا المهرجان الرائع ، فننساب إلى نفسه .. ننساب إلى روحه انسياب الماء الفرات بين الأدواح والخمائل .
الحمراء : كلامك جميل... ووصفك بديع ورائع ..ولكن ألا ترين معي أن هذا الإنسان الذي يهرب إلينا من صخب حياته إلى هدوئنا وجمالنا ، إلى ألواننا الزاهية ، يأتينا ناعماً رقيقاً حانياً، ثم تراه يتحول فجأة إلى وحش كاسر .. يقطفنا بقسوة .. يقطع هذه الأشجار الصامدة؛ لا بل في أماكن أخرى قد يرتكب مذبحة جماعية لهذا الجمال ليشبع نهمه وجشعه وغروره .
ردت البيضاء بحزن وأسى : صدقت يا أختاه ..
أردفت الحمراء تقول : ثم ألا ترين أنهم يحبونك لأنك ترمزين إلى السلام والأمان؟ ... وإذا راجعت حياتهم وتاريخهم ستذهلين من آثار الدمار والحروب التي قاموا بها وما زالوا تحت أسماء وشعارات شتى ، فشوَّهوا الحياة والجمال والحب.
ويحبونني أيضاً ، ويحملونني ، ويزينون بها مجالسهم ، وثيابهم ، وغرفهم.. تارةً لأنني أرمز إلى الحب ، وهم قد شوَّهوا اسم الحب بفسادهم ومتعتهم الحرام، ولوثوا عِفَِّة الحب وسُمُّوَهُ ..وتارة أخرى أرمز عندهم إلى الدم ... الدم الذي لا ينزاح من حياتهم ، أُناسٌ يضحون بدمائهم الحمراء الطاهرة طلباً للحرية والأمان والسلام ، وأناسٌ يمتصون تلك الدماء .. يعيشون على تلك الدماء .. يبنون أمجادهم الزائفة وحضارتهم العرجاء على تلك الدماء بظلم وعدوان وتكبر .
البيضاء : صدقت يا أختاه ، ثم استدركت تقول :
كنت أحب أن نعيش هذه اللحظات السعيدة في هذه الروضة البهية بعيداً عن حياة الإنسان، ولكن أما ترين أن ليس كل البشر سواء ؟ فهناك صنف راقٍ بتعامله معنا ومع بني جنسه ، ومع الطبيعة بحكمة وحب وإنسانية .
الحمراء : نعم يا حبيبتي .. نعم ..إلا أن صيحاتهم ، ودعواتهم تذهب أدراج الرياح ، وتضيع في صخب الظالمين ، ولجاجة المفسدين والعابثين ، وهم على ذلك قليلون .. قليلون جداً .
البيضاء : حقاً .. حقاً ..
الحمراء : لذلك وحتى نرتاح قليلاً .. ونسكن في خشوع ، تعالي لنسبح في مناجاة إلهية ، وتسبيح ملائكي هادئ لهذا الخالق العظيم الذي أبدع الكون الحياة والجمال ، تعالي لنسبح الله في خشوع .