حلقتنا في هذه المرّة عنونتها بــ ( إنما أنتَ أيام ) ..
ما أقبح أن تدرك مدى أهمية الوقت وقد ظهر شيبك وامتدّ احتلاله , فاتكَ عمرك الزاهي وأدبرْ , وأقبل موتك الباقي وأسفرْ , كم عشتَ في لياليها الملاح متبخترًا بطول أجلك , ناسيـًا بل متناسيـًا ما قاله البصري (إنما أنتَ أيام) .
الشيطان متعته عند تضييع أوقاتنا ونهمته عند تبذير ساعاتنا , أبدًا لا ينفك عن امريءٍ حتى يستحوذ على همّه ويقيّد حلمه , ينفّره عن الصلاح ويقرّبه للسوء , يرى المرء في لحظات خيره فيجرّه رويدًا رويدًا دون أن يشعر لميدان الهلاك , يحببّ إليه حسناء ذات بوحٍ فريدٍ فيخطط لمكيدةِ تعارفٍ ثم انزلاق , ويتآمر مع امرأةٍ مرهفة المشاعر من أجل شابٍ غزير الكلمات وهلمّ جرّا .
من منّا سخّر نعمة الشبكة العنكبوتية لصالحه واغتنم دقائقها وثوانيها وأخذ ما يحتاجه من علمٍ ورمى ما بها من غثّ , والمصيبة كل المصيبة أن نصحو على جهازنا المحمول ونغفو عليه , فلا استفدنا ولاهم يفرحون , نضيّع أوقاتنا في لعبةٍ طائشةٍ وفي متعةٍ زائفةٍ وفي دردشةٍ فاشلةٍ , نتجوّل في قوقلٍ متخمٍ بالغراميات ونطوف حول حلمٍ منتهي الصلاحية , فلا حافظنا على واجباتنا الدينية ولا قوّمنا أخلاقنا التربوية , والعمر ماضٍ لا يتوانى عن الهرولة والموت آتٍ لا يتوارى أبدًا وإن أمهلنا بعض الوقت .
والله ما ندمتُ ندمـًا ندمي على ضياع وقتي فيما لا ينفع وانغماسي فيما يضرّني , وإنّي لأتمنى رجوع أيامي - ولا تجدي الأماني عند الإحتكام لقوانين الوقت وسلطان الثواني – فاستغلّوا مرحلة الشباب فإن الذاكرة مهيئة لإستقبال المعلومات والمهارات كما أن النفس نشيطة تحتاج لهمّة متقدة يقودها صاحبها للتطوير ومن ثم الحصول على بغيته من النجاح .
إذا استغلينا مقولة ( إنما أنت أيام ) وحافظنا على الوقت في كل ساعة تمرّ من حياتنا فوالله لننتفعنّ بها عاجلاً وآجلا , لا أن نقضي الساعات الطوال أمام شاشة مضيئة وقلب غير مضيء , أذكر فيما أتذكر أنني في سنتي الجامعيّة الثالثة سكنتُ في الصيف بمكانٍ لا يوجد في نطاقه انترنت , فجلستُ وقتي كله أتجوّل بين المقاهي بحثـًا عن غواياتٍ لا تنفع العقل ولا تسمن النفس حتى تأثرتُ في دراستي أسوأ تأثير وانتهى الصيف واسودّ المصير .
عسى الله أن يجعل فيما بقى من أوقاتنا خيرًا لي ولكم , وإلى حلقة أخرى .
همسة :
وقتكَ هو من يحدد سعادتك من تعاستك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
22 / 7 / 2011