بنادق قوات الأسد تفشل في تدجين طلاب المدارس
جيل مشاريع الشهداء كانوا أوائل من تظاهر وكتب ضد النظام ورئيسه
![]()
دمشق - جفراء بهاء هل يضحك النظام السوري هازئا مما حلّ ويحلّ به، أم أن الأجدر به أن يلطم ويندب خوفاً مما قد يحدث معه في الأيام التالية التي يبدو أنها ستأتي على ما تبقى من فلوله وخططه بتدجين الشعب السوري والتي باءت كلها بالفشل الذريع وسقطت سقوطاً مدوياً.
وإن اعتاد ذلك النظام على تدجين الشعب باعتباره جزءا من التركة التي تركها مؤسسه "حافظ الأسد"، بادئاً رحلة التدجين في مرحلة الدراسة الابتدائية وصولاً إلى المرحلة الجامعية..
فإنه بالتأكيد تلقى أكبر صفعاته عندما اكتشف أن كل جهوده بتدجين أجيال كاملة باءت بالفشل، إذ إن طلاب المدارس والجامعات من أوائل من تظاهر وكتب ضد النظام ورئيسه.
ويبدو واضحاً أن طريقته في قمع الطلاب لم تقل وحشية عن طريقته في قمع المظاهرات في جميع المدن، ولعله لا يدرك إلى الآن أن إهانة أطفال ويافعين وشباب لن تعود عليه إلا بالكوارث.
أعمى يقود مبصرين
لم يحتج أبناؤنا في مدينة الكسوة بريف دمشق إلى إرشاد أو تحفيز ليكتبوا على جدران مدارسهم عبارات الثورة السورية، ولم يفكر الأمن والجيش السوري كثيراً قبل أن يعطي أوامره لإدارة مدرسة الكسوة للبنات بفصل طالبات الثالث الثانوي الفرع الأدبي لمدة ثلاثة أيام بعد أن ملأت عبارة "يسقط بشار الأسد" جدران الصف قبل حوالي أسبوعين.
كما لم يتخل طلاب وطالبات الثانوي في تلك المدينة الصغيرة عن عادة التظاهر اليومي بعد دوام المدرسة، ولم يخفهم أن يقتحم الأمن المدارس هناك (وخصوصاً مدرسة الكسوة للبنين) عدة مرات لسحب طلاب من صفوفهم بتهمة التظاهر، وليختفي الطالب عدة أيام قبل أن يعود إلى بيته بجسد ترك الضرب عليه آثاراً قد تمحى ظاهرياً ولن تنسى حقيقة، وتبقى النظرة هي المعيار الوحيد للخوف من عدمه، فيقف الطالب بقامة منتصبة وعيون يملؤها الشموخ أمام عسكري أو شبيح تكسو القسوة نظراته خافضاً عينيه أمام ذاك الذي نسي الخوف أمامه، وإن كان من نتيجة لنظرة التحدي من الطالب فإنها بالتأكيد زيادة عيار الوحشية والهمجية في التعامل وطريقة العقاب.
وإن كان اقتحام الجيش والأمن لمدرسة الكسوة للبنين بات جزءا من حياة الطلاب الاعتيادية، فإنهم إلى هذه اللحظة لم يستطيعوا الوصول إلى الطريقة التي يتم بها الاتصال بين طلاب وطالبات المدرستين والاتفاق على مكان وساعة اللقاء للخروج في مظاهرة تهتف ضد الأسد وتنادي بالكرامة بالحرية، وأغلب الظن أن نظاماً يطلق شبيحته على شباب بعمر العنفوان لن يستطيع بشكل من الأشكال أن يغلق عقل هؤلاء، ولا كم أفواههم، وتبقى المسؤولية التي يتعامل بها أولئك الشبان في المظاهرات قصية عن فهم وإدراك أولئك الشبيحة "الشباب بيحمونا وبيضلوا حولينا وما بيخلوا حدا يقرب علينا" بحسب تعبير واحدة من الطالبات التي دمعت عيناها عندما اعتقلوا صديقها طالب الثالث الثانوي أمام عيونها.
إهانة الآباء والأولاد معاً
قبل الثورة السورية لم يكن لاسم مدينة المعضمية القريبة من دمشق صدى سلبياً كان أم إيجابياً، ولكنها وبعد بدء تلك الثورة أعطت لاسمها ولأهلها عنواناً يتلخص بكلمة واحدة "الكرامة"، وأبناء هذه المدينة لا يقلون شأناً عن رجالها، حيث لم تخل مدرسة تقريباً من شعارات إسقاط النظام ورئيسه، ما أدى إلى أن تكون تلك المدارس هدفاً لاقتحامات الجيش والأمن والشبيحة السوريين، ووسيلة ضغط على الآباء، ومنذ ما يقارب الشهر تعالت أصوات طلاب المرحلة الابتدائية "نتحفظ عن ذكر اسم المدرسة" بجمل تبدأ بـ"الشعب يريد إسقاط النظام" ولا تنتهي بـ "يسقط بشار الأسد"، فقام الجيش بسجن الطلاب في المدرسة إلى ما يقارب الساعة السادسة مساء، على أن يتم تسليمهم إلى أهلهم بعد أن يوقع هؤلاء على تعهد خطي بكم أفواه أولادهم وإخراسهم عن الهتاف ضد الأسد ونظامه، وطبعاً لا ينتهي الأمر بتوقيع التعهد، إنما تفنن الأمن في إهانة الأهل واستعمال أفحش الكلمات وأكثرها وضاعة، ولابأس من بعض الصفعات هناك وهناك "ع البيعة" دون أن يفكر واحد منهم بتأثير ذلك على الأب والابن على حد سواء.
الجيش يوجه البنادق إلى المدارس
لم يقفل أهل مدينة قطنا بريف دمشق أفواههم، وكذلك لم يفعل أبناؤهم، وإن آمن الاثنان أن الكلام الساخط وحده لا يكفي، فإن تظاهر الطلاب وهتافاتهم الشبه يومية باتت من إحدى سمات تلك المدينة.
ومع كرامة هؤلاء وهمجية أولئك يعتاد الجيش والأمن على اقتحام المدارس، ومنها تلك المدارس مدرسة البعث الثانوية للبنين، حيث يتم اقتحامها بشكل دائم لسماع الهتافات من داخلها دائماً، ومن ثم اعتقال عدد من الطلاب بإهانتهم علناً أمام زملائهم وأساتذتهم، وبات وجود الأمن والشبيحة عند المدرسة يومي بشكل مناوبات، ما جعل الطلاب يتندرون بغباء المراقبين (الجيش والأمن والشبيحة) بعد أن يتقصد أولئك أن يكتبوا الجملة تلو الأخرى كنوع من التحدي الواضح تاركين مهمة تنظيف وإزالة تلك الجمل على شبيحة النظام وزبانيته.
وقبل حوالي الشهر انتشر الجيش السوري على سطح مدرسة الثورة الابتدائية، موجهين البنادق إلى رؤوس الطلاب داخل مدرستهم، ومن ثم حرصوا على إخراج الطلاب من المدرسة فراداً خوفاً من التجمع والتظاهر.
وما حدث في إحدى المدارس الابتدائية "نتحفظ عن ذكر اسمها" لم يستثن الأساتذة، إذ إن خروج اثنتين من المدرّسات في إحدى المظاهرات أدى إلى تلقي المعلمات جميعهن إهانات بالجملة وبالمفرق على الحاجز الذي يقف في مدخل المدينة.
مشاريع شهداء
لم يتخل الشعب السوري عن عيونه وآذانه، كما لم يتخل عن كرامته ولسانه وعقله، ولكننا فيما سبق ربما لم ننتبه كسوريين أن العلوم كلها من فيزياء وذرة وكيمياء وعلوم إنسانية هي في آخر أولويات النظام الحاكم، إذ أن الأولوية كانت منذ 40 عاماً لتربية شعب يأكل العشب ويتصرف كما الخراف، ولكنه الآن انتبه هو إلى أن الخراف الذي جهد سنوات لتنشئتهم تحولوا فجأة إلى نخيل شامخ.
وإن كان شعار المدارس السورية تحت رعاية النظام الأسدي يتلخص بأن "الغباء مسموح والتفكير ممنوع" يغدو تحول المدارس إلى مفرخة للدجاج أمر بديهي بالنسبة له، فإن الرد على تلك الغيمة السوداء التي حاول أن ينشرها على عقول الطلاب والأجيال الأهم في حياة البلد قد بددها أولادنا وشبابنا دون أن يتنظروا من أهلهم أي إرشاد إلى الطريق الموصلة إلى الحرية.
ويبدو واضحاً وصادماً أن كل تلك المحاولات بدفن كبرياء وكرامة شعب كامل باءت بالفشل الذريع، وأن وعلى عكس ما توقعوا فإن أحفاد الخوارزمي وابن خلدون لم يتحولوا إلى ببغاوات لا يجيدون إلا جمل من عيار حاضر سيدي، وبتمون، وعلى راسي.
إنما خرج علينا جيل من الأبطال تلمع أعينهم بنبض الكرامة، ويخرج الواحد منهم من المنزل صباحاً مقبلاً يد أمه متوقعاً أن لا يراها مرة ثانية، إنه جيل مشاريع الشهداء.