تذمروا ممن حاولوا تهوين قضية التطاول على الرسول الكريم
160 ناشطاً سعودياً في بيان : أسعدتنا توبة كاشغري وننتظر محاكمته شرعاً
صاغ العشرات من الناشطين السعوديين في شبكات التواصل الاجتماعي "تويتر ، فيسبوك" بياناً ، نددوا من خلاله بعبارات التطاول والاستنقاص من الرسول صلى الله عليه وسلم ، التي تضمنتها تغريدات الكاتب حمزة كاشغري قبل عدة أيام ، والشخصيات الأخرى التي سلكت نفس المسلك مؤخراً ، إضافة للمدافعين عن هؤلاء المتطاولين.
الموقعون على البيان والذين تجاوز عددهم 160 شاباً وفتاة ، عبروا عن سرورهم بإعلان كاشغري التوبة ، ولكنهم أكدوا بأن توبته لا تعفيه من المحاكمة الشرعية مشيرين إلى أن الانتقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنحة عظيمة وتترتب عليه آثار معروفة نصّ عليها أهل العلم ومنها حقّه الخاص صلّى الله عليه وسلّم.
وقال الناشطون في رسالة تلقتها "
سبق" مع نص البيان أن ما دفعهم لصياغة البيان هي تداعيات الأحداث في موضوع منتقص رسول الله حمزة كاشغري، وظهور شخصيات أخرى تنتقص رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيام بعض الأشخاص بالدفاع عنهم باعتبار أن هذه حرية رأي، مؤكدين بأنه ليس وراء البيان أي شخصية اعتبارية مطلقاً، ومبينين أنهم مجموعة من الشباب اتفقوا على إعداد وصياغة البيان.
وأكد الناشطون في نهاية البيان أن دافعهم لصياغته هو تعظيم حقِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن محبة رسول الله تحتم عليهم القول بأنهم كانوا ولا زالوا ضد كل عبارة سيئة قيلت في أعراق الناس أو قبائلهم أو انتماءاتهم البلدانية، وأنّ هذا من قبيح القول ومنكرِه.
وقال الناشطون " إن الدعوة إلى الحرية وحقِّ التعبير عن الرأي مما نسمو له ونتطلع إليه لما فيه من تحقيق للمصالح العظيمة التي تحفظها الشريعة، غير أنها إنّ تجاوزت حدودها وتضمنت السماح بالتطاول على أصول الشريعة ومقدساتها، أو التبرير لذلك والسكوت عنه، أو كانت سبباً لتجاوز محكمات الشريعة القطعيّة، فإنا نبرأ إلى الله منها ومن قبولها والسكوت عنها، بل نتعبد لله تعالى بإنكارها مطالبين القضاء أن يحفظ على الناس دينهم بحماية هذه الأصول الشرعيّة، حتى لا تنجر البلاد إلى مضايق الفتن".
نص البيان :
الحُرية التي نُريد
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِّ وسلّم وبارك على نبيّك محمدٍ الرحمة المهداة والمنّة المُسداة، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعدُ:
فإن حادثة انتقاص رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي هزّتْ مجتمعنا مؤخراً، وتداعى على إثرها الناس جماعاتٍ وأفراداً لنصرته وتوقيره والذبّ عن جنابه الشريف، كشفت عن عميق تغلغل التديّن في نفوس أفراد المجتمع، ومكنون حبّهم العظيم لنبيّهم الكريم، فابتدر الناس سِراعاً للدفاع عنه، ورفعوا الأمر - بمبادرات فردية منهم وجماعيّة - إلى الجهات المسؤولة لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الأمر.
ومع كون الانتصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والدفاع عن جنابه الشريف، يُعد من أصول الدين التي اتفق عليها علماء الأمة، إذ لم يختلف قولهم مُطلقاً في كفر من تطاول عليه أو أساء له أو انتقصه؛ على الرغم من هذا الظهور البيّن المُحكم للمسألة إلا أننا رأينا بعض الأشخاص – هداهم الله - تناولوا الموضوع بشيء من التهوين، وتكلموا فيه بغير تأصيل شرعي ولا هُدى مبين، ثم تمادوا فأخذوا يلمزون كثيراً ممن قام حميةً وانتصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك لأجندة خاصة ومكاسب حزبيّة، وهذا زيادة على كونه تهمة مرسلة لا زمام لها، فهو دخول في سرائر الناس ونيّاتهم، ثم إن هذا الزعم سبيلُ من لا يُدرك حقيقة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس مجتمعات المسلمين، فالغضب الشعبي العام من أي إساءة توجه للرسول صلى الله عليه وسلم هو سلوك كافة المجتمعات الإسلامية في كل زمان ومكان.
وأيُّ مؤمن محب لرسوله الكريم، لا يبتهج وهو يرى عموم الناس يغضبون وينتصرون له صلى الله عليه وسلم؟! فالبرود السلبي تجاه هذه القضية المفصليّة هو ما نحتاج للبحث عن أسبابه واستقصاء موجباته التماساً لعلاجه، فإذا كان الله قد قضى بانتفاء الإيمان عن من وجد بعض الحرج القليل في نفسه من أحكام رسول الله وأقضيته وذلك في قوله تعالى: (فلا وربّك لا يُؤمنون حتى يُحكِّموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويُسلّموا تسليماً) فكيف إذن يكون حال من تقاعس عن نصرته، أو دافع عن منتقصه باسم الحرّية؟!
كما أنَّ مما لم يختلف فيه قول أهل العلم قاطبة، وهو كذلك من الإجماع الضروري في الإسلام أنه لا يحل لأحد أن ينتقص رسول الله صلى الله عليه وسلّم أو يسمح بذلك، أو يسكت عن فاعله بحجّة كونه من الحريات العامة وداخلاً في نطاق التعبير المشروع عن الرأي، فضلاً عن الدفاع عنه، فهذا القول من أبطل الباطل، وأكثره معارضة لنصوص الوحيين، ويُعد مُحادّة ظاهرة لله ولرسوله، ونقضاً لأصل الدين القائم على عبادة الله واتّباع نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، وماذا يبقى من شريعة الله ودينه إن سُمح للمتطاولين بالوقيعة في الله ورسوله وكتابه المبين؟!
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية والذي ظهر في زمن الانكباب على علم الكلام والتضلّع منه، حين قال بشموخ المؤمن الصادق وعزّته المهيبة: (لئن يظهر دين الله ظهوراً يمنع أحداً أن ينطق فيه بطعنٍ، أحب إلى الله ورسوله من أن يدخل فيه أقوام وهو مُنتهك مستهان).
وقد تلقينا بسرور بالغ توبة الأخ حمزة كاشغري وإعلان تراجعه عن كلامه الشنيع – أنار الله بصيرته وشرح صدره وثبته على الحق -، فإن توبته وتراجعه من الأعمال العظيمة التي يحبها الله ورسوله، وهو ما أبهجنا كثيراً، فالمسلم يفرح لما أصاب أخاه من الخير، ويحزن لما يحيق به من السوء والشر، وهذه الإنابة هي أثر محمود من آثار الغضبة المُجتمعيّة المباركة، حيث كانت سبباً لتراجعه، لكن هذه التوبة لا تُعفي صاحبها من المثول أمام القضاء الشرعي ليفصل في أمره، إذ الانتقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم جنحة عظيمة وتترتب عليه آثار معروفة نصّ عليها أهل العلم ومنها حقّه الخاص صلّى الله عليه وسلّم، لأجل هذا تحديداً كان أهل العلم وغيرهم يستحثون في رفع أمره إلى القضاء، لا ردّاً منهم لتوبته وتقنيطاً له من رحمة الله وتشفّياً فيه، كلا والله! فالله يغفر الذنوب جميعاً، وما الشماتة والتشفّي بالتائبين المنيبين وتيئيسهم من رحمة الله بأخلاق المؤمنين، وإنما ليأخذ القضاء مجراه ويحكم بما يرونه صالحاً من العقوبة التي يستحقّها، وتحفظ جناب رسوله عزيزاً مهيباً.
وهذه العقوبات الشرعية ليست كما يراها البعض تشوّفاً للدماء وتعطشاً لها وتهديداً للسلم الأهلي والأمن المجتمعي وتعدّياً على الحريّة! بل إن أكبر ما يهدد الأمن المجتمعي هو التداعي المذموم للسكوت عن منتقص رسول الله والتبرير له بحقه في التعبير داخل مجتمع مسلم يجري حب الله ورسوله في دمه، والله سبحانه وتعالى يزع بالسلطان وبالحدود والعقوبات ما لا يزع بالقرآن وبالتوجيهات الشرعيّة؛ هذا أمر تدركه النفوس والفِطر، وتتفق على معناه العقول، وهو مقتضى تشريع القوانين والأنظمة في كل دول العالم.
ومما تجدر الإشارة إليه أنَّ كشف الشبهات ومناقشة من وقع في شيء منها هو من صميم دعوة الأنبياء والمرسلين، فقد بعثهم الله بالحجج الظاهرة والبراهين الحاسمة، وآتاهم ما فيه شفاء الصدور وحسم الحيرة وقطع موارد الشكوك، ونحن نؤكد على ضرورة هذا المنهج مع كل من وقع في شبهة أو أحاطت به الحيرة، إذ واجب أهل العلم هو استنقاذه وتصحيح معتقده وهدايته إلى صراط الله المستقيم، وكشف ما ألمَّ به من الشُّبه الحائلة بينه وبين اليقين، ونهيب بأهل العلم والمعرفة من مشايخنا الكرام أن يبتدروا ذلك ويفتحوا صدورهم للشباب، ويسمعوا منهم ويحنوا عليهم، وأن لا يكتفوا بالإنكار المجرد وتسجيل الموقف، بل يتجاوزوا ذلك لما بعده من كشف الشبهات وإزالة موجباتها.
على أنَّ مقام النصيحة والمحاورة وكشف الشبهات إنما هو في حق المتحيّر المتشكّك ممن وقع في شَرك الأسئلة الوجودية المتداولة وابتلاه الله بها، وأما أولئك المجاهرون بالإلحاد، أو الداعون إلى تشكيك الناس في عقائدهم وأديانهم باسم الحرّية والتعددية والتطبيع مع الخلاف، والذين يستغلون نهم الشباب إلى المعرفة وحبّهم للقراءة فيبثون فيهم الشبه والحيرة، فإن هؤلاء يعاملون معاملة أخرى تقطع أذاهم، فيجب إحالتهم إلى القضاء لمخالفتهم أصل الدين الأعظم وهو الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواجب الشرعي علينا، ونظير هذا معمول به كذلك في عامة الدساتير والأنظمة القضائية في العالم، والتي تنص على معاقبة من تجاوز حدود التعبير المسموح به عن الرأي.
كما أن لكل مقام مقالاً، فالموقف من الجناية المعلنة يختلف عن الموقف من الباحث عن الحق، فالاعتداء على الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقاصه جناية كُبرى يجب أن يفزع الجميع لمحاسبة مرتكبها، وأما بحثُ الأسباب الباعثة على هذه الجناية، والتعامل مع الفئة المتأثرة بها، فهذا له مقام آخر، فالاعتداء على الرسول الكريم من كبريات الجنايات باتفاق المسلمين، فهو أشد من السرقة والقتل والقذف، ويجب محاسبة مرتكبها، ثم بعد ذلك يُنظر في وسائل العلاج الأخرى.
ونحن إذ نوقّع على هذا البيان لنؤكد أن دافعنا فيه هو تعظيم حقِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن حبنا لرسول الله وتوقيرنا لأمره ليُحتم علينا أن نقول بأننا كنا وما زلنا ضد كل عبارة سيئة قيلت في أعراق الناس أو قبائلهم أو انتماءاتهم البلدانية، وأنّ هذا من قبيح القول ومنكرِه، فالله سبحانه لا يُطاع من حيث يُعصى، فمن تعدّى على أصول الناس ومراجع أنسابهم فإنما فعل ذلك إساءة منه وجهلاً، والله ورسوله براءٌ من هذا المسلك، كما نستنكر بقية المخالفات التي حصلت من فئة قليلة من الناس كالدعوة لمجازاته خارج نظام القضاء أو الإساءة لوالديه، وغير ذلك من التجاوزات الخاطئة.
وختاماً: فإن الدعوة إلى الحرية وحقِّ التعبير عن الرأي مما نسمو له ونتطلع إليه لما فيه من تحقيق للمصالح العظيمة التي تحفظها الشريعة، غير أنها إنّ تجاوزت حدودها وتضمنت السماح بالتطاول على أصول الشريعة ومقدساتها، أو التبرير لذلك والسكوت عنه، أو كانت سبباً لتجاوز محكمات الشريعة القطعيّة، فإنا نبرأ إلى الله منها ومن قبولها والسكوت عنها، بل نتعبد لله تعالى بإنكارها مطالبين القضاء أن يحفظ على الناس دينهم بحماية هذه الأصول الشرعيّة، حتى لا تنجر البلاد إلى مضايق الفتن.
والله وليُّ التوفيق.