شكرا دلال للمتابعة .
يتبع
الاستهلال
اعذروني! حبّيت أتفلسف وأختار كلمة جديدة تحتل المقدمة ونستهلها بالموجز...
ما هو موجز الرحمة؟
انظر إلى قطرة الماء ترى البحر قد تحجّب فيها وانظر إلى الشمس التي اختفت في ذرّة وانظر إلى قلبك ترى عرش الرحمة وأنت أيّها الإنسان سيّد على نفسك، ارحمها ترحمك وتسمو من النفس اللوّامة إلى النفس المرْضيّة وتدخل إلى رحمة الرحمن.
ولننتبه إلى الفرق الشاسع الواسع بين الشغف والانفعال والعاطفة والشفقة والحب، والرحمة.... الحب غير المحبة والعدل غير الرحمة... معاً سنتعرّف على هذه الطبقات من الشعور والإحساس حتى نصل إلى الوعي والإدراك عندئذٍ نرى الحق بنور الله ونشهد بعين اليقين للرحمة الساكنة في لبّ الإنسان....
إنّ الحب هو شغف وانفعال جسدي... هو مجرّد حرارة جسدية تنبع من لبّ العقل الباطني وتستعبد الإنسان وتحوّله إلى مجرّد عبد ممسوس من حواسه البشرية... والرحمة هي المحبة التي تجاوزت الأحاسيس الحيّة في الجسد واتصلت بالساجد الذي تحرر من العبودية وأصبح سيّداً على نفسه ويعمل بوعي عقلاني دون التوكل على الجهل والمنطق, بل الحرّ الذي حوّل الشغف والانفعال والحب إلى المحبة والرحمة وحرية الشهادة....
هذه هي مرتبة السمو الروحي حيث لا شهوة ولا نزوة ولا شبق ولا شوق
بل عيش اللحظة في رحمة ورأفة....
العاطفة شهوة أما الرحمة فهي محبة، الشغف رغبة أما المحبة مشاركة، الشهوة طمع والرحمة عطاء، الحب يستخدم الآخر وسيلة بينما الرحمة تحترم الآخر لأنّه مرآة المؤمن... العاطفة تقيدّك مع التراب والطين وتحجب عنك النموّ والسمو بينما الرحمة تساهم في نمو البذرة إلى وردة وإلى نشر العطر في الفضاء والفناء... الرحمة هي التي تحوّل الحجر إلى عطر... والعتمة إلى نور...
عادةً الإنسان مجزّأ ومبعثر... جزء من الطاقة منهمك بالغضب وجزء آخر مستغرق بالطمع وجزء مقيّد بالشهوات وإلى ما هنالك من رغبات ونزوات إلى أن نصل إلى أسفل طبقة من التعب والفراغ ونحيا كالجيفة المجوّفة من الحياة...
لنتذكر حكمة الحكماء عن الطاقة في قولهم بأنّ الطاقة بهجة ومتعة ولكن ماذا فعلنا بها؟ هذا هو التبذير والإسراف حتى أصبحنا أموات, لا حياة لمن تنادي لأنّ الطاقة تجري في المجاري ولكن إذا استخدمنا هذه الطاقة كما يجب ستحيا فينا السعادة الباطنية الأبدية... هذه هي طاقة الرحمة الساكنة في القلب، والسيّد على قلبه لو شرب السمّ لأصبح هذا السمّ ترياقاً، ولو أمسك بالتراب لأصبح ذهباً... وعندما نحيا هذا الفيض من المحبة والرحمة نعيش في الجنة حيث الحياة التي لا تموت وفي هذا الجوّ من السموّ يسمو الإنسان إلى مرتبة الألوهية ويختبر الرحمة السرمديّة ألا وهي المحبة الهادية والعادلة والآمنة... هذه هي جنّة الخلود الصامدة في لبّ قلب المؤمن حيث الرحمة التي لا تنضب وما هذه البركة إلاّ مشاركة الألوهية مع الألوهية....
الانفعال لعنة نابعة من الجهل والرحمة نعمة نابعة من التعقّل والتوكل....
إنّ العاقل لو أمسك بالتراب لأصبح ذهباً، والجاهل لو أمسك بالذهب لأصبح تراباّ...